"الـ هستدروت" و"انفجار التناقضات".. ما الذي كشفت عنه المظاهرات في "إسرائيل"؟
أعادت حدة المظاهرات المتصاعدة ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وسياسته في ملف "الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين" لدى المقاومة بقطاع غزة، إلى الواجهة "انقسامات سياسية" كانت قد شهدت "إسرائيل" على إثرها مظاهرات حاشدة على مدى شهور قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. واعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن الإضراب الذي عم "إسرائيل" يمثل أحد أكبر أشكال التعبير عن الغضب العام إزاء تعامل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء مع الحرب منذ بداية الحرب فى أكتوبر من العام الماضي، وهو أول إضراب عام واسع النطاق. وفي التفاصيل، رأى عصام مخول، رئيس معهد توما للأبحاث السياسية والاجتماعية في حيفا، أن ما حدث في هذه المظاهرات هو "انفجار للتناقضات التي تموج بها الساحة الإسرائيلية"، كما أن هذه المظاهرات تُجدد "الصدع في داخل المجتمع الإسرائيلي". "انفجار للتناقضات" وقال مخول: "ما شهدناه هو التعبير الحقيقي عن الرأي السائد في إسرائيل، ولا مقارنة بين أعداد المؤيدين للصفقة والرافضين لها؛ فثمة مئات الألوف في مقابل قلة ترفض الصفقة ... هناك أصوات مجنّدة قادمة فيما يبدو من مشارب سياسية مؤيدة لنتنياهو لكنها قلة قليلة". وأوضح مخول، في مقال له، أن "نتنياهو يلعب دائمًا على خلق تناقضات، سواء فيما بين عائلات الأسرى في غزة وبعضها البعض، أو بين موقف هؤلاء العائلات من جهة وموقف عائلات الجنود الذين قُتلوا ولا يريدون لدماء أبنائهم أن تذهب سُدى من جهة أخرى". ورأى أن "الرأي العام في إسرائيل يحاصر نتنياهو الذي يضرب عُرض الحائط برأي الأكثرية في بلاده". وقال مخول: "نتنياهو يُصرّ على أن الطريقة التي يسير بها هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ المحتجزين، وهذا الكلام لا تشتريه الأكثرية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي". وكشف استطلاع للرأي أجرته القناة الـ 12 العبرية، أن سبعة من بين كل عشرة إسرائيليين يرغبون في أن يترك نتنياهو عالم السياسة وألا يخوض سباق الانتخابات المقبلة. ومما كشفت عنه هذه المظاهرات في "إسرائيل"، قوة الـ هستدروت (اتحاد نقابات العمال) التي أضافت زخمًا كبيرًا إلى المشهد، لا سيما بما دعت إليه من إضراب عام، حتى أن الحكومة اضطرت تحت الضغط الهائل إلى اللجوء للمحكمة من أجل إلغاء هذا الإضراب. وفي حديثه رأى عصام مخول: "أن النقابات الإسرائيلية تحركت متأخرة، وكان عليها أن تتحرك قبل الآن، ولكن لا بأس هناك قوة للعمال المنظَّمين أو للنقابات إذا استُعملتْ، وها هي استُعملت أخيرا". وقال مخول: "أعتقد أن تأثير هذه النقابات يُبيّن للحكومة أنها ليست مصدر القوة الوحيد بحيث تتجاهل إرادة الجمهور ... الطبقة العاملة تشكّل الطبقة الأوسع في المجتمع، ولها ما تقوله، ومن المهم أن تسجّل موقفها وأن تنضم إلى المطلب الشعبي المطروح حاليا". وبينما كان محاطًا بأفراد من عائلات الأسرى لدى المقاومة، قال رئيس الهستدروت، أرنون بار ديفيد: "يستحيل أن نظلّ في موقف المتفرج أكثر من ذلك .. نحتاج إلى التوصل لصفقة .. هذا أهم من أيّ شيء آخر". علق على ذلك مخول، بالقول إنه "في الوقت الذي كانت فيه النقابات مترددة وعاجزة عن اتخاذ موقف مؤيد للمطلب الشعبي الواسع في إسرائيل لإبرام صفقة، كانت حكومة نتنياهو راضية عن هذه النقابات، أما الآن، فقد خضعت النقابات لهذا الضغط الشعبي العارم وخصوصا بين العمال". قوة "الهستدروت" قادرة على زعزعة أركان الحكومة "الهستدروت" تنظيم نقابي عتيد، قادر على زعزعة أركان الحكومة، وإيصال أشد الرسائل إلى دائرة الحكم. تأسس "الهستدروت" عام 1920، ولعب دورًا حيويًا في إنشاء البنية التحتية للدولة خلال فترة الانتداب البريطاني، وساهم في تأسيس مؤسسات اقتصادية مهمة. وكان لاتحاد نقابات العمال الإسرائيلي "الهستدروت"برئاسة ديفيد بن غوريون، في بداياته، تأثيرات كبيرة في السياسة الإسرائيلية. واليوم، يمثّل الكيان نحو 800 ألف عامل، ويشمل مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية والخدمية، مثل: الصحة، والتعليم، والبنوك. ويمتلك "الهستدروت" تأثيرًا كبيرًا على السياسة الإسرائيلية، كما أظهر قوته من خلال تنظيم الإضرابات والاحتجاجات. ويشكل "الهستدروت" أكثر من 20% من الدخل القومي، ويعكس دوره الواسع في المجتمع الإسرائيلي. وتشهد مدن إسرائيلية عديدة، منذ مساء الأحد الماضي، مظاهرات، هي الأكبر منذ السابع من أكتوبر الماضي، على خلفية مقتل 6 من الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، واستلام جثثهم. وأمرت محكمة العمل في "إسرائيل"، الاثنين الماضي، بوقف إضراب عام دعا إليه اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي "الهستدروت" استجابة لدعوات وجّهتها عائلات الأسرى بخروج مظاهرات في عموم البلاد. وأجمع خبراء على أن دعوة "نقابة الهستدروت" إلى إضراب شامل، للضغط على حكومة الاحتلال عقب مقتل 6 أسرى إسرائيليين في غزة، يعتبر تطورًا مهما في موقف المجتمع الإسرائيلي تجاه الحرب، مع تفكك الإجماع السابق. وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى، إن هناك تحولا ملحوظًا في موقف المجتمع الإسرائيلي تجاه الحرب، وأضاف "أن الإجماع الذي كان حول هذه الحرب بدأ يتفكك، وهناك انقسام عميق داخل المجتمع الإسرائيلي"، وأشار إلى أن هذا التحول قد يؤدي إلى "ظهور الخلافات القديمة إلى السطح، مثل الانقسامات بين اليمين واليسار". ونوه مصطفى، إلى الانقسام الكبير الذي بدأ يظهر داخل المجتمع الإسرائيلي حول موقفه من هذه الحرب وأهدافها، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب وصولا إلى موعد الانتخابات الأميركية رغم فشله في حسم جميع الملفات العالقة حوله مثل حرب غزة والجبهة الشمالية وملف الأسرى. ويشرح مصطفى أهمية نقابة الهستدروت قائلا: "النقابة مسؤولة عن أغلب العاملين والموظفين في القطاع العام الإسرائيلي، بما في ذلك الشركات الحكومية والمجالس المحلية والبلديات"، وأضاف أن الإضراب الشامل يعني "شل الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كامل، بما في ذلك المواصلات العامة والخدمات اليومية".