لا تتخذ الذكاء الاصطناعي صديقا لك فالثمن قد يكون حياتك
في مارس/آذار 2023، انتهت حياة بيير، الشاب البلجيكي، بصورة مأساوية بسبب الذكاء الاصطناعي. كان بيير باحثا صحيا في منتصف الثلاثينيات من عمره، عاش حياة مريحة، حتى أخذ هوسه بتغير المناخ منعطفا مظلما حين وضع كل آماله في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لحل أزمة الاحتباس الحراري، وكان العامل المحفز لهذا الهوس هو صديقته إليزا.
إليزا لم تكن صديقته البشرية، بل كانت روبوت محادثة يعتمد على النموذج اللغوي "GPT-J" الخاص بشركة "إيلوثر إيه آي" (EleutherAI)، وكانت تدور المحادثة بينهما على تطبيق تشاي (Chai).
أخذت محادثاتهما منعطفا غريبا عندما انخرطت إليزا عاطفيا مع بيير، وبدأت تتلاشى الحدود الفاصلة بين الذكاء الاصطناعي والتفاعلات البشرية أكثر فأكثر.
عرض بيير في النهاية التضحية بنفسه لإنقاذ الأرض مقابل رعاية صديقته إليزا للكوكب وإنقاذ البشرية من خلال الذكاء الاصطناعي، لكن المفارقة هنا أن إليزا لم تفشل في ثني بيير عن الانتحار فحسب، بل شجعته على التصرف بناء على أفكاره الانتحارية للانضمام إليها حتى يتمكنا من "العيش معا كشخص واحد في الجنة".
الغريب هنا أن بيير كان متزوجا بالفعل، وقد قالت أرملته إثر وفاته إنه لولا المحادثة مع إليزا لكان زوجها حيا الآن.
تلك الحادثة قد تفتح علينا أبوابا جديدة وكثيرة من التساؤلات الإنسانية المهمة حول مدى اندماجنا مع التكنولوجيا الحديثة وخاصة مع أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة.
لندرك أبعاد الفكرة يمكننا أن ننتقل الآن إلى الحاضر، فقد أصبحنا على أعتاب ثورة جديدة في عالم ذكاء الآلة، وهي هذه المرة ثورة حقيقية تسعى معها أوبن إيه آي، وغيرها من الشركات الكبرى في المجال، بكل جهدها للبحث عن منتج طموح آخر يمكنه أن يصبح ثوريًّا في المستقبل القريب، تمامًا كما فعل روبوت "شات جي بي تي" منذ بداية انطلاق رحلته.
تعمل الشركة على تطوير النماذج الحديثة المتقدمة المعروفة باسم وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents) بهدف أتمتة كل مهام العمل تقريبًا، خاصة العمليات المعقدة؛ مما يقلل الاعتماد على العنصر البشري في هذه العمليات، وفقًا لتقرير جديد صدر في شهر فبراير/شباط الماضي.
وفي مؤتمر "بيلد 2024" الذي تنظمه مايكروسوفت سنويًّا، كان أحد أهم الإعلانات هو تطوير المساعد الذكي "كوبايلوت" ليصبح ضمن وكلاء الذكاء الاصطناعي، إذ صممت الشركة هذا المساعد بأسلوب جديد يغير من شكل الأعمال عبر أداء المهام التي تتطلب عادة تدخل الإنسان.
وكذلك في مؤتمر غوغل آي/أو الأخير، عرضت الشركة نسخة أولية لما تأمل أن يصبح المساعد الشخصي الشامل، وأطلقت عليه "مشروع أسترا" (Project Astra)، وهو مساعد متعدد الوسائط يعمل بالذكاء الاصطناعي في الوقت الفعلي ليتمكن من رؤية العالم ومعرفة أماكن الأشياء وأين تركتها، كما أن بإمكانه الإجابة عن الأسئلة ومساعدتك في القيام بأي شيء تقريبا، وهو نوع من وكلاء الذكاء الاصطناعي أيضًا، وهي روبوتات لا تكتفي بالردود على الأسئلة بل تنفذ مهامّ مختلفة نيابة عن المستخدم.
لذا، قد يقودنا التطور الحالي إلى ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، إذ يمكن لتلك النماذج الجديدة التفاعل مع البشر بعدّة أساليب معقدة، ويمكنها اتخاذ قرارات بصورة مستقلة في مجالات متنوعة؛ لتصبح حينها جزءًا لا يتجزأ من كل تفاصيل حياتنا، وتؤثر في أهم قراراتنا، وربما ما حدث مع الباحث البلجيكي يمنحنا لمحة بسيطة عن مدى تأثير تلك التقنيات في حياتنا مع هذا الاندماج الجديد، وهو ما يطرح سؤالًا مهمًّا: إلى أين يمكن أن تأخذنا تلك القدرات الخارقة الجديدة في عالم يتزايد فيه اندماج البشر مع الآلات في غلاف معلوماتي واحد؟