أمان: مطلب السلطة المتجددة وسيلة لكسب الوقت في إطار إدارة الصراع وتأبيد الاحتلال
بعد العام 1994، برزت إشكاليات متنوعة في أداء السلطة الوطنية الفلسطينية بعد ممارستها السلطة، لا سيما دورها في إدارة الشأن العام بشقيه الإداري والمالي، ولدورها المتداخل مع دور منظمة التحرير الفلسطينية في الجانب السياسي والوطني، أدّت إلى إطلاق مطالبات ومبادرات إصلاح داخلية، منادية ببناء مؤسسات فلسطينية فعّالة ومساءلة قبل أية مطالبات أو محاولات دولية خارجية لإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية، والتي ظهرت قبيل إنتهاء المرحلة الانتقالية في العام 1999، خاصة من قبل الولايات المتحدة الامريكية الراعي الرسمي لعملية السلام والاتحاد الاوروبي، باعتباره أبرز الممولين الدوليين للمساعدة في بناء قدرات مؤسسات السلطة الفلسطينية.
ركزت مشاريع الإصلاح الفلسطينية الداخلية – والتي تم بلورة الأولى منها في المجلس التشريعي الأول المنتخب في العام 1996 بوثيقته للإصلاح في العام ،2002 وكذلك خطة المئة يوم للحكومة الفلسطينية، ووثيقة الإصلاح التي تبنتها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص الفلسطيني في العام 2003، وخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية الحكومية 2008 -2010، وأجندة الإصلاح الوطني الحكومية 2017-2023 -على تبني سياسات وممارسات ملزمة بإحترام سيادة القانون وتعزيز الحوكمة وتجنب مخاطر الفساد، كمدخل ضروري لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والديمقراطية. مشاريع الاصلاح الخارجية جاءت في إطار الحديث عن مبادرات ومتطلبات وشروط تطوير فنية ومهنية تهدف إلى التمهيد لإنعاش عملية التسوية السلمية وتكتيكات كسب الوقت لإدارة حالة الصراع، وإشاعة آمال بوجود أفق سياسي يمكن أن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في نهاية مسار العملية السياسية. ومن الأمثلة على هذه السيناريوهات التي فُرِضَت على السلطة الوطنية وعلى القيادة السياسية: مشروع تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية بقيادة فريق العمل المستقل برئاسة "ميشيل روكارد" في العام 1998، الذي تضمن عددا من الخطوات الضرورية التي يجب على الرئيس ياسر عرفات اتخاذها في إطار تمديد الفترة الانتقالية التي كان من المفترض أن تنتهي في العام 1999، وخطة خارطة الطريق في العام 2003، والتي تضمنت الطلب بإحداث تغييرات في القانون الأساسي الفلسطيني، كتحويل جزء كبير من مسؤوليات وصلاحيات الرئيس إلى رئيس الوزراء، وإعادة جدولة الخطوات الانتقالية في إطار إحياء التسوية السلمية، وذلك بعد العدوان الاسرائيلي على الأراضي الفلسطينية في عملية السور الواقي، وتبع ذلك مؤتمر أنابوليس للسلام في العام 2007، والذي أعاد مرة أخرى التأكيد على ضرورة إستنفاذ عدد من السنوات في بناء مؤسسات السلطة تمهيدا للوصول إلى الدولة.
ومؤخرا، تكرر هذا السيناريو بعد أحداث السابع من أكتوبر ،2023 وما تبعه من عدوان وإبادة جماعية يمارسها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، حيث قادت الولايات المتحدة الأمريكية طرح السلطة المتجددة لدمجها في إطار المقاربة الإقليمية، لتشمل ترتيبات إنتقالية لإدارة قطاع غزة، وإعمار ما دمرّه العدوان في إطار مشاركة الدول العربية المُطبّعة واسرائيل وتركيا والسلطة الفلسطينية بعد أن تصبح سلطة متجددة مقبولة اسرائيليا، وقادرة أمنيا، ومدعومة مالياً على إدارة قطاع غزة، وإتاحة الفرصة لمسيرة سياسية تفاوضية تؤدي الى إقامة دولة فلسطينية، تنفيذاً لحل الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين لاحقا، ودون الحديث عن إنهاء الاحتلال، الذي ينبغي أن يكون الخطوة الأولى لإنهاء الصراع.
وكما هو واضح من هذا التسلسل التاريخي، أن مبادرات الإصلاح الداخلية كانت نابعة من حاجات فلسطينية حقيقية، ولم ترتبط بالعدوان الاسرائيلي، بل ارتبطت بالحاجة من أجل استكمال بناء مؤسسات الدولة وإنهاء الاحتلال، إلا أن سبب عدم إنجازها بالكامل كان لضعف الإرادة السياسية لتنفيذها، بينما هدفت المبادرات الخارجية إلى إخضاع السلطة الفلسطينية لمزيد من التهيئة والتكيف مع الشروط الإسرائيلية تحت مسمى إستكمال البناء المؤسسي الإداري والأمني، بهدف طمأنة الاسرائيليين، وكسب الوقت بإلهاء الجانب الفلسطيني، وإشغاله في مراحل متتابعة، دون أن يكون هناك إلزام فعلي بإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، ولجم المستوطنين، ووقف سياسات الاحتلال في التهويد في الضفة الغربية والقدس، ووقف شرعنة سياسات التمييز والفصل العنصري التي يمارسها الاحتلال ضد فلسطينيي الداخل، وفكرة تجديد وإصلاح السلطة التي تقودها الإدارة الأمريكية (كجزء من المقاربة الاقليمية) تأتي في نفس السياق، وتهدف بالأساس الى كسب مزيد من الوقت لإدارة الاحتلال الاسرائيلي، وتأجيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وليس هذا فحسب، فقد شكل هذا المسلسل من مشاريع الإصلاح الخارجية مواقف متعارضة ومربكة خاصة للنشطاء والجهات الفلسطينية العاملة في مجال الإصلاح بسبب اختلاط وتداخل بعض محاور الإصلاح مثل مكافحة الفساد، وإعادة هيكلة وتفعيل وتمكين الأجهزة الأمنية مع أجندات الإصلاح الوطنية الهادفة إلى تصويب هياكل وسياسات السلطة وأجهزتها وتجديد بنيتها.
إن ائتلاف أمان وكغيره من قطاعات المجتمع الفلسطيني؛ يرى أن الأولوية القصوى الآن هي وقف حرب الإبادة على شعبنا، وإطلاق حوار وطني شامل للإصلاح بعد إنهاء هذا العدوان. وعليه؛ فإننا ندعو جميع القوى الفلسطينية إلى تبني برنامج إصلاح وطني شامل وتشاركي يشمل السلطة ومنظمة التحرير، ويستند إلى تداول السلطة بين الأجيال من خلال:
- إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات وإجراء الإنتخابات العامة.
- تفعيل إستقلال القضاء.
- حماية الحقوق والحريات المدنية.
- تعزيز سيادة القانون والعدالة الإجتماعية.
- إدارة الموارد والخدمات العامة وفق معايير عمل شفافة وجداول زمنية وموازنات محددة وفقا للأولويات الوطنية في إنهاء الإحتلال وتقرير المصير.
واستنادا إلى التجارب الفلسطينية المتعددة، في بلورة خطط الإصلاح خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي لم يكتب لها النجاح الكامل في تحقيق أهدافها، بسبب عدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية، وعدم إخضاع عملية إعداد وتنفيذ ومتابعة تنفيذ هذه الخطط لمجموعة من المرتكزات والمبادئ الواجب توفرها، وأساسها أن تهدف بشكل كامل إلى بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية العتيدة القادرة على إنهاء الاحتلال، وهو الأمر الذي يستوجب إطلاق حوار وطني، بمشاركة كافة قطاعات الشعب الفلسطيني للإتفاق على خطة إصلاح تقوم على وتتصف بـ:
1. الشـمولية: بحيــث تشــمل مشاركة جميــع القطاعــات الحكومية، ومؤسســات المجتمع المدني، والقطــاع الخاص وهيئات الحكم المحلي، والجهات الأكاديمية.
2. توزيـع الأدوار بين الشـركاء بشكل تكاملي وتحديد مهـام وصلاحيات كل منها وآليات مساءلته: ويكــون ذلــك بمشــاركة الأطراف أولا بصياغــة وإعــداد الخطة، وبمتابعــة كافــة الأطراف في إنفــاذها لمهامها ثانيا.
3. توفيـر التمويـل اللازم لتنفيـذ الخطة: بحيـث يتـم اعتمـاد موازنـات ومخصصـات وإقرارهـا لصالـح تطبيـق وتنفيـذ الخطة، بالإضافة الـى تأمين الموارد البشـرية المؤهلة وتوفيـر التدريـب المناسب لهـم لضمـان التطبيـق الفعلـي والفاعـل للخطـة.
4. جدول زمني محدد لكافـة المهام، يأخذ بعين الاعتبار الأولويات الوطنية، وبما يشمل تحديد آجـال ومواعيـد إجـراء عمليـات المتابعة والرقابـة والتقييـم، وتحديد التدخلات بنـاء على تعديـل أيـة انحرافـات أو ثغـرات أو عقبـات بهـدف الوصـول إلـى نتائـج خلال الفتـرة المحددة.
5. خطـة تشـغيلية أو خطـة تنفيذيـة: يجـب أن تكـون معـدة مـن قبـل الأطراف الشـريكة، ومعتمـدة مـن جهـة مرجعيـة، علـى أن يرفـق بها إطـارا زمنـيا محـددا، ومؤشـرات قيـاس أداء ذكيـة معتمـدة تقـاس دوريـا.
6. الاتفاق على الجهة المسؤولة عـن التنسـيق بين الأطراف المشاركة في الخطة لتوحيد الجهود وتحديد المهام والمسؤوليات والصلاحيات المنوطة بتنفيذ الخطة ومتابعتها، والتي قد تأخذ شكل لجنة وطنية تضم ممثلين عن القطاعات كافة، وذلك لتكتسب الخطة الصفة الوطنية الشمولية، وليس حصرها بخطة الحكومة أو خطة حكومية.
7. تحديـد معاييـر الرقابة والمتابعة والمساءلة والتقييم لتنفيذ الخطة وبشكل دوري، وإخضاع الأطراف المنفذة للمساءلة على مدى التقدم والإنجاز، وإطلاع المواطنين على كافة التطورات بكل شفافية وبشكل دوري.