الصليب الأحمر.. غياب الدور وتصاعد الجريمة
بقلم: أمجد النجار – مدير عام نادي الأسير الفلسطيني
منذ عقود، لعبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دورًا أساسيًا في متابعة أوضاع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، باعتبارها الجهة الإنسانية التي تُعنى بمراقبة الظروف الاعتقالية وتوثيق الانتهاكات وضمان الحد الأدنى من المعايير الدولية في التعامل مع الأسرى. لكن هذا الدور، اليوم، بات مهددًا ومقيدًا بشكل غير مسبوق من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
في خطوة خطيرة، منعت سلطات الاحتلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر من القيام بدورها في متابعة قضايا الأسرى داخل السجون، بما في ذلك الزيارات الدورية التي كانت تُعد شريان التواصل الوحيد بين الأسرى وعائلاتهم، ووسيلة مهمة لرصد ما يتعرضون له من انتهاكات، وأداة ضغط على الاحتلال لكبح جماح انتهاكاته.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يستمر الاحتلال بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بلعب دور في ترتيبات صفقات التبادل، بينما يُقصيها تمامًا من متابعة الظروف اليومية للأسرى؟ الجواب ببساطة أن الاحتلال لا يؤمن بالمعايير الدولية، بل يتعامل مع القوانين وفق مصالحه الأمنية والسياسية، فيسمح بدور للصليب الأحمر حين يخدم هذا الدور أجندته، ويمنعه حين يشكل له حرجًا أمام المجتمع الدولي أو يفضح ممارساته بحق الأسرى.
ما يحدث داخل سجون الاحتلال هو جريمة مستمرة، وأكثر من 73 شهيدًا سقطوا داخل المعتقلات نتيجة الإهمال الطبي والقتل العمد، ومع ذلك لم نشهد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر أي مؤتمر صحفي، أو بيان واضح يُحمّل الاحتلال المسؤولية المباشرة عن هذه الجرائم، أو يُعلن للرأي العام أن الصليب الأحمر قد مُنع من ممارسة دوره الإنساني داخل السجون.
لقد أصبح موقف الصليب الأحمر اليوم محط تساؤل وريبة، لا سيما في ظل استمرار الانتهاكات وتصاعد الجرائم، دون أن يكون هناك أي موقف حازم من هذه المؤسسة التي لطالما اعتبرها العالم ضامنًا للمعايير الإنسانية في النزاعات.
والأدهى من ذلك، أن المؤسسات الدولية الأخرى، بما فيها الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي بمكوناته من حكومات ومنظمات حقوقية، تلتزم الصمت أو تكتفي ببيانات خجولة لا ترتقي لحجم الكارثة التي يتعرض لها أكثر من 10400 أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال ومرضى، يتعرضون يوميًا لأبشع أساليب القمع والتنكيل.
إننا، في نادي الأسير الفلسطيني، نحذر من استمرار تغييب دور الصليب الأحمر داخل سجون الاحتلال، ونعتبر ذلك تواطؤًا غير مباشر مع الاحتلال في إخفاء الجرائم التي تُرتكب بحق الأسرى. كما نطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بكسر صمتها، وتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، وتوضيح موقفها للعالم، والضغط العلني من أجل استعادة دورها، لا أن تبقى حاضرة فقط في مراسم صفقات التبادل حين يُراد لها أن تكون مجرد أداة شكلية.
إن معاناة أسرانا لن تتوقف بالصمت، بل بتصعيد العمل الدبلوماسي والشعبي والحقوقي، من أجل كشف حقيقة ما يجري، ووضع حد لهذا الاستخفاف المتواصل بحياة وكرامة الإنسان الفلسطيني في السجون.