ترقب شديد في إسرائيل لصفقة جديدة.. وشكوك بنوايا وحسابات حكومتها
يرجّح سياسيون أمريكيون، في الساعات الأخيرة، أن احتمال إنجاز صفقة تبادل يبلغ 60%، ولا تختلف تقديرات مراقبين إسرائيليين عن ذلك، فغالبيتهم متشكّكون حيالها.
في مقال تنشره صحيفة “هآرتس” اليوم، يقول محلل الشؤون العسكرية عاموس هارئيل إنه رغم الضغوط الأمريكية يبدو أن التفاؤل حيال صفقة تبادل ما زال مبكراً. ويعلل تقديره بالقول إن الانسحاب الإسرائيلي من خان يونس وزيادة المساعدات الإنسانية أفقدا إسرائيل رافعة ضغط هامة على حركة “حماس”، وعلاوة على تشكيكه بحسابات ونوايا نتنياهو، يقول هارئيل إن الكلمة الأخيرة تبقى بيد يحيى السنوار.
من جهته، يشرح المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني لماذا يجب على إسرائيل أن تقول نعم للصفقة المقترحة، وأن يصادق عليها مجلس الحرب مساء اليوم، فيقول إنه شخصياً سبق أن عارض صفقة شاليط “وعد الأحرار”، عام 2011، بيد أنه يؤيد صفقة اليوم.
ويوضح بن يميني أن إسرائيل، على ما يبدو، وصلت إلى لحظة الحسم. ويضيف: “إن صدقت الأخبار، فإن على الكابنيت أن يصادق الليلة على الصفقة المقترحة، رغم أنها ليست نهاية الوجع، فهي ستعيد 40 مخطوفاً فحسب في هذه المرحلة. أنا متشكّك حيالها، وعلينا ألا نضلّل أنفسنا: ثمن الصفقة هذه المرة سيكون باهظاً جداً، ومن شأنها أن تفضي لنتائج مخيفة على أساس الشروط التي تم تسريبها في الساعات الأخيرة”.
ويعلل يميني رؤيته بالقول: “علينا القول نعم للصفقة، لأن الثمن الباهظ قد سددناه بمقتل 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر، وبمقتل 300 جندي خلال الاجتياح البري، ولأننا في مرحلة لا يوجد لدينا احتمال بانتصار مطلق”.
من جهته، يقول محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رونين بيرغمان، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، اليوم، بعنوان “العدو غير موجود بيننا”، إنه على إسرائيل إتمام الصفقة كجزء من تصحيح الفشل. ويرى بيرغمان أن إسرائيل لم تتعلم شيئاً. ويعود إلى المقاربات مع فشل 1973 فيقول إنه بعد حرب تشرين كانت إسرائيل تفضّل تكريس الجهود والوقت في البحث عن متّهمين عن الفشل، بدلاً من تقدير القدرات والنوايا الحقيقية للعدو”. منبهاً إلى أن “الاستمرار في الاستخفاف بقيمة العدو، كالزعم أن “حماس” مرتدعة، من شأنه أن يجلب على إسرائيل الهجمة المباغتة القادمة”.
لهجة متشكّكة
وتتواصل اللهجة المشكّكة بحسابات ونوايا رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لدى مراقبين إسرائيليين، في ظل قراءة ما يبدر عنه من تصريحات وخطوات، وآخرها القول، أمس، إن الحرب لم تتوقف، وإن هناك موعداً محدداً لاجتياح رفح.
ويتساءل عددٌ من المراقبين الإسرائيليين، منهم محلل الشؤون السياسية في القناة 13 العبرية رافيف دروكر، أنه بحال كان نتنياهو معنياً بصفقة فعلاً، فلماذا يهدّد الآن بالعودة لاجتياح رفح، وبالإجهاز على “حماس”، ولماذا تقبل الأخيرة بصفقة جديدة طالما أن نتنياهو يهدّد بتجديد الحرب عليها؟
يشار إلى أن هناك تقديرات إسرائيلية تقول إن تهديدات نتنياهو تهدف لتهدئة المعارضة الداخلية في ائتلافه، في ظل معارضة وزراء متشدّدين للصفقة أو لوقف الحرب، حيث كان سموتريتش وبن غفير قد هدّدا نتنياهو، أمس، بالقول إنه بدون اجتياح رفح لن تبقى له حكومة، غير أنهما لم يتطرقا لمداولات الصفقة والتسريبات والتقارير عن تقدمها.
في المقابل، ترى المحلّلة السياسية الإسرائيلية عيناف غاليلي أن تهديدات بن غفير لا أساس لها، وتصفه بـ “نابليون التهديدات الفارغة” مثله مثل فتوة الحي الذي يدعو مَن حوله لعدم الإمساك به كي يتمكّن من توجيه الضربة لخصمه لكنه لا يفعل شيئاً.
وتتابع: “يذكرني بن غفير بفيلم بريطاني قديم يقوم به الممثل روبين وليامز في دور شرطة المرور وهو يهدد سائقاً بالقول: “قف، وإن لم تتوقف سأقول لك مرة أخرى قف”.
وكان رئيس المعارضة يائير لبيد قد عقّب على تهديد بن غفير بتفكيك الحكومة بالقول، من واشنطن، إنه يمنح حكومة نتنياهو شبكة أمان، داعياً لإتمام صفقة الآن.
وفي محاولة لمحاصرة نتنياهو، ومنعه من مواصلة المناورة والمراوغة بعثت عائلات المحتجزين برسالة لوزراء في مجلس الحرب قالت فيها إن دماء أبنائها على أيدي أعضاء الحكومة، منبهين إلى أن تفويت الفرصة لصفقة الآن يعني حكماً بالإعدام على أقاربهم.
لا ولكن
ويرى الباحث في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين، في حديث للإذاعة العبرية اليوم، إن “حماس” قالت، في بيانها الأخير فجر اليوم، إنها تعاين مقترح إسرائيل، رغم أنه متشدّد ولا يلبي طلباتها، وإنها تشكر الوسطاء على جهودهم.
ويزعم ميليشتاين أن بيان “حماس” يعكس ضغوط الوسطاء العرب عليها، خاصة في توجيه الشكر لكل الوسطاء، ومن بينهم الجانب الأمريكي.
ويمضي في تقديراته حول تليين “حماس” موقفها: “لم تقل حماس “لا” واضحة، بل تبقي الباب مفتوحاً، وتقول ما معناه إننا غير راضين من ردّ إسرائيل، لكننا سنعاينه. بخلاف مزاعم إسرائيلية تقليدية فإن السنوار معنيّ بصفقة، ولكن بشروطه، وهو اليوم يرى أن ردّ إسرائيل يقترب من رؤيته، وعلى رأسها بقاء “حماس” في السلطة في نهاية المطاف. هناك محاولة من “حماس” لبناء رواية مفادها أنها تسيطر على القطاع، وأن الواقع الحالي يبدأ بالعودة إلى ما كان قبل السادس من أكتوبر، واعدةً ببدء ترميم الخراب، أو إعادة البناء. موسيقى الحديث الحمساوي باتت مختلفة لمن القول الفصل سيكون خلال الساعات القادمة، وقبيل بدء عيد الفطر”.
مقابل التشكيكات باحتمالات الصفقة، وبرغبة نتنياهو بها، يرى المعلق السياسي في القناة 13 العبرية رافيف دروكر أن المقترح الأمريكي لصفقة جديدة ليس سوى مقترح إسرائيلي يقدمه الجانب الأمريكي كطريقة خلاقة للنزول عن الشجرة، وكي تتم عملية تمرير الصفقة داخل الحكومة، وتحاشي عرقلتها من قبل بن غفير وسموتريتش من خلال الزعم بأن العرض أمريكي، وأنه لا بدّ من قبوله من أجل المضي في الحرب، وتأمين موافقة واشنطن على اجتياح رفح وغيره. بل ينوه مراقبون إسرائيليون آخرون بأن الصفقة المتداولة الآن، بمراحلها الثلاث، قد صودق عليها سراً من قبل مجلس الحرب وحكومة الاحتلال، مساء الخميس الماضي، بمن فيهم الوزيران بن غفير وسموتريتش، وهناك من يرى أن تهديدات بن غفير لم تتحدث عن معارضته الصفقة، كما قالت المعلقة السياسية عيناف غاليلي أعلاه، بل تقتصر على اجتياح رفح، وأنه بتصعيده اللفظي إنما يخاطب جمهوره الحزبي المتشدد فقط، ولا نية له بتفكيك الحكومة، وأن مصير الصفقة بيد نتنياهو لا بيد المتشدّدين.
في السطر الأخير، من غير المستبعد أن يتمسك نتنياهو بموقفه الرفضوي، وأنه رغم الانسحاب من خان يونس، وزيادة المعونات الإنسانية وغيره، يمضي في مناوراته ومراوغته سعياً لإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني مجدداً، وهذا يتجلى في علامات الشك المتجلية بوضوح لدى مراقبين إسرائيليين، ولدى عائلات المحتجزين، فهو ما زال يبحث عما يرمّم هيبته وأناه المتضخمة وصورته ومكانته، وهو يرى بنفسه “تشرتشل إسرائيل” و“سيد الأمن”، وذلك باللهاث وراء “نصر مطلق”، أو صورة انتصار على الأقل، علاوة على الرغبة بالبقاء في السلطة، واستبعاد الحساب والسقوط، واستبعاد أيّ صفقة من شأنها أن تقود لصفقة أوسع مع أفق سياسي يتتضمن حديثاً عن تسوية الدولتين، فهو مهندس سياسة تكريس الانقسام بين الضفة والقطاع من سنوات طويلة.