في يوم الانتخابات المحلية
اليوم ذهب أهل الضفة الغربية الى صناديق الاقتراع في 50 هيئة محلية لانتخاب هيئاتها القيادية، وهي التي ستتولى بالدرجة الأولى إدارة أمورهم المحلية وكل ما يتعلق بحياتهم واحتياجاتهم اليومية المباشرة، والعمل على جعلها أكثر تقدماً وراحة وتجاوباً مع متطلباتهم واحتياجاتهم بقدر الممكن والمستطاع، وبارتباط موضوعي مع حركة الوطن العامة ومؤسساته السياسية القيادية القائمة. وقد وفرت الهيئات الوطنية المسؤولة كل المتطلبات والمستلزمات والشروط الممكنة لتسجل هذه الانتخابات نجاحاً وطنياً.
واليوم، هو يوم وطني بامتياز يمارس فيه اهل الوطن حقهم المشروع في اختيار من يمثلهم ومن يقودهم بهذا المعنى والمحتوى، وبهذه الحدود. وبهذا، يأخذ هذا اليوم موقعه الأصيل في المسار العام للنضال الوطني الفلسطيني بمحتواه الشعبي الشامل، وبأهدافه النضالية المحددة.
لا يغير من هذه الحقيقة او ينتقص منها شكل وطبيعة الأهداف المحددة التي تعلن القوائم الانتخابية السعي لتحقيقها، خصوصاً وأنها تركز بدرجة كبيرة على حياة اهل الوطن واحتياجاتهم، علماً بأنها تأتي من رؤى وخلفيات وبرامج سياسية نضالية ووطنية تنسجم وتتكامل مع أهداف النضال الوطني العام والشامل وتناضل لتحقيقها.
ما يؤكد هذه الحقيقة ان التنظيمات الوطنية السياسية تشارك في هذه الانتخابات إما بشكل علني مكشوف ومباشر، واما بشكل غير معلن وغير مباشر عن طريق التزام أعضائها ومناصريها بدعم قوائم معينة او مرشحين محددين.
يبقى الجوهر الأساس لهذه الانتخابات انها استحقاق وطني وحق مطلق لأهل الوطن ان يختاروا عبر صناديق الاقتراع من يمثلهم ويقودهم على جميع المستويات السياسية والمحلية والشعبية والنقابية، وصولاً الى الغرف التجارية وأي هيئات عامة متخصصة.
بهذا المعنى تصبح الانتخابات المحلية استحقاقاً وطنياً يجب الذهاب اليه وتوفير كل المستلزمات والشروط الضرورية لنجاحه، بدءاً من الشفافية والوضوح مروراً بالترتيبات الإدارية اللازمة والضرورية، وصولاً للأجواء السلمية والديموقراطية المرتاحة، والى توفير الرقابة المناسبة لضمان حرية وسلاسة وسرية عملية التصويت ونزاهتها، وصولا وانتهاءً بعمليات الفرز وإعلان النتائج.
وبهذا الفهم والمعنى تصبح المواقف الداعية لعدم اجراء الانتخابات المحلية، ثم الدعوة الى مقاطعتها او وضع شروط غير واقعية لإجرائها او ربط اجرائها بإجراء انتخابات أخرى تسبقها، لها ظروفها وتعقيداتها، وصولاً الى اعلان البعض المقاطعة الرسمية التنظيمية لها، تصبح كل هذه مواقف غير موضوعية وغير مفهومة.
ولا يقلل من عدم موضوعيتها وفهمها، المشاركة السرية وغير المباشرة للبعض عبر قوائم بأسماء غير معروفة، او عبر تمرير أعضاء لها غير معروفين ضمن هذه القائمة او تلك مقابل الوعد بدعمها والتصويت لها.
وفي كل حال فإن موقف المقاطعة بأي شكل مباشر او غير مباشر، يبقى أسهل للفهم والقبول من فهم موقف الاستفادة من موقع السيطرة المنفردة لأي طرف (تنظيم سياسي) على جزء من ارض الوطن ومنعه اجراء الانتخابات فيه لجهة المبدأ والاساس بقوة السلطة القائمة فيه وسيطرتها عليه.
بصراحة، فان موقف الاخوة في حركة حماس بمنع اجراء الانتخابات المحلية في كامل قطاع غزة لا يمكن فهمه ولا يمكن قبوله. خصوصا وانه يأتي متماشياً ومنسجماً مع فهم ومسار عامين للحركة، منعت على اساسهما خلال السنوات الأخيرة كل وأي انتخابات شعبية في كامل قطاع غزة على كل مستوى ولأي هيئة او اتحاد او تشكيل نقابي او شعبي.
وهذا يقوي شكوك البعض التي تفسر هذا الموقف او الاجراء بأنه يقوم على أساس فكري لا يؤمن بالانتخابات لجهة المبدأ.
ويبقى الشيء الأكيد ان موقف وممارسة حركة حماس رفض الانتخابات الشعبية كما تم وصفها، وقدرتها على فرض ذلك وتنفيذه، يعتمد على سيطرتها السياسية المطلقة والمنفردة على قطاع غزة وهيمنتها التامة على كل المؤسسات والهيئات القائمة فيه سواء كانت سياسية او إدارية او شعبية او سلطوية. وان ذلك يحصل دون أي ارتباط او تنسيق او علاقة بأي شكل ومستوى مع السلطة الوطنية القائمة، او أي من هيئاتها ومؤسساتها.
وهذا ما يعيدنا الى جذر الموقف والمسبب والأساس الرئيسي لكل ما تقدم وغيره الكثير، وهو بلاء الانقسام البغيض المستقر والجاثم على صدر الوطن وصدور كل اهل الوطن، والمتعاكس مع كل التطلعات الوطنية.
بركاتك يا جزائر في سعيك لإنهاء الانقسام
صادق الشافعي-جريدة الأيام