المقاومة بالبطيخ.. الفلسطينيون يثبتون غباء خوارزميات مواقع التواصل
تتعدد أشكال المقاومة عبر العصور، والثابت فيها أنها تسعى لإسماع صوتها للعالم، فنادرا ما انتهت النزاعات عبر قرار فردي أو الوصول لقناعة بضرورة وقف الانتهاكات، ولكن في عصر مواقع التواصل يصبح وصول صوت المقاومة أصعب بدخول الخوارزميات والذكاء الاصطناعي على الخط ليصبح هو مدير التحرير الذي يقرر منع النشر.
فلسطين.. البطيخ رمز أصحاب الأرض
القضية الفلسطينية أقدم من حرب فيتنام، والمقاومة الفلسطينية واجهت منذ نشأتها لحد اليوم تحديات أكبر من مما واجهته المقاومة الفيتنامية، وربما ما تواجهه اليوم أمام خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي وتقنيات لغة الآلة والذكاء الاصطناعي هو من أكبر التحديات التي واجهتها لإيصال قضيتها إلى العالم.
اعتُبر البطيخ الأحمر منذ عقود إحدى أيقونات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال بسبب تشابه ألوانه مع ألوان العلم الفلسطيني، وقد عاد إلى الواجهة خلال الفترة الماضية في ظل محاولات الإفلات من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية تقول الكاتبة ميريام بيرغر إن إيموجي البطيخ الأحمر استخدم على نطاق واسع في الأسابيع الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي كجزء من جهود الفلسطينيين للالتفاف على الرقابة وخوارزميات تعديل المحتوى، في خضم ما شهدته القدس الشرقية وغزة من أحداث في مايو/أيار الماضي.
وحسب الكاتبة، فإن استخدام إيموجي البطيخ ومختلف الصور والأعمال الفنية من الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة والشتات ومناصريهم في جميع أنحاء العالم يعكس فيضا من النشاط والتضامن عبر الإنترنت خارج الحدود السياسية والجغرافية التقليدية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يوضح الفنان الفلسطيني خالد حوراني المقيم في رام الله بالضفة الغربية -والذي ظهرت أعماله ضمن صور البطيخ المنتشرة على الإنترنت- أن الفن "يمكن أن يكتسي طابعا سياسيا أكثر من السياسة في حد ذاتها".
وحسب حوراني، فإن الفنانين الفلسطينيين استخدموا البطيخ "كرمز للعلم الفلسطيني للالتفاف على الحظر" في العالم السيبراني، حيث يحاول الفلسطينيون -الذين لا يثقون في منصات التواصل الاجتماعي ويخشون الرقابة الإسرائيلية الإلكترونية- التحايل على خوارزميات وأساليب تعديل المحتوى.
فخلال الأزمة الأخيرة حذف فيسبوك وتويتر الملايين من المنشورات والوسوم (الهاشتاغات) المؤيدة للقضية الفلسطينية، لكن عملاقي التكنولوجيا أكدا أن ذلك كان جراء خلل تقني، مما أثار غضب الفلسطينيين الذين يشعرون منذ فترة طويلة بأنهم يتعرضون لمعاملة غير عادلة في العالم السيبراني.
ويرى فادي كوران -وهو مدير حملة تابعة لمنظمة "آفاز" ويقيم في رام الله- أنه "بالنسبة للجيل الفلسطيني الجديد -الذي يعد 70% منه تحت سن الـ30- تشكل مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للإلهام والوصول إلى العالم".
ويضيف "يحتاج الفلسطينيون إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ليكشفوا ما يحدث لهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا ما دفعهم لابتكار مجموعة واسعة من التكتيكات للتغلب على القمع الرقمي الذي يتعرضون له".
ولكن هل تنطلي هذه الحيل على مدير النشر الآلي الذي يستخدم الخوارزميات والتعلم العميق ولا يوجد لديه مكان للمشاعر.
الرقابة الآلية لا تعرف البطيخ
إن أهم مكون في الخوارزميات التي تستخدمها مواقع التواصل الاجتماعي هي الشبكات العصبية العميقة لقدرتها على معالجة المعلومات المرئية، وفي السنوات القليلة الماضية أصبحت مكونا رئيسيا للعديد من تطبيقات الحاسوب المرئية، فمن بين المشكلات الرئيسية التي يمكن للشبكات العصبية حلها اكتشاف الكائنات (الأشياء) الموجودة في الصور وتحديد موقعها.
وتعد الشبكة العصبية التلافيفية أحد المكونات الرئيسية لمعظم تطبيقات الحاسوب المرئية القائمة على التعلم العميق، تم اختراع هذه الشبكات في الثمانينيات من قبل رائد التعلم العميق يان ليكون، وهي نوع من الشبكات العصبية التي تتسم بالكفاءة في التقاط الأنماط في المساحات متعددة الأبعاد، وهذا يجعلها جيدة بشكل خاص لمعرفة ما تحتويه الصور.
ولكن بينما يمكن لشبكة تصنيف الصور معرفة ما إذا كانت الصورة تحتوي على كائن معين أم لا فإنها لن تستطيع تحديد مكان الكائن في الصورة.
لهذا يعد اكتشاف الكائنات إحدى مشكلات تقنيات التعلم الآلي التي تحتاج لإشراف بشري، مما يعني أنه يجب عليك تدريب النماذج الخاصة بك على الأمثلة المصنفة، ويجب أن تكون كل صورة منها مرتبة في مجموعة بيانات ومصحوبة بملف يتضمن حدود وفئات الكائنات التي تحتوي عليها، وهناك العديد من الأدوات مفتوحة المصدر التي تقوم بوضع تعليقات توضيحية للكشف عن الكائنات الموجودة في الصور.
ويتم تدريب شبكة اكتشاف الكائنات على البيانات المشروحة حتى تتمكن من العثور على مناطق في الصور تتوافق مع كل نوع من الكائنات.
وبسبب هذه المشكلة اقترح باحثو الذكاء الاصطناعي في جامعة كاليفورنيا- بيركلي في عام 2014 الشبكة العصبية التلافيفية القائمة على المنطقة "آر-سي إن إن" (R-CNN)، وهي تقوم بتحديد الكائن وموقعه في الصورة بناء على معالجة مستفيضة لعدة طبقات من المعلومات.
في السنوات القليلة الماضية قطع اكتشاف ما تحتويه الصور من أشياء بواسطة التعلم العميق شوطا كبيرا، حيث تطورت من خليط من المكونات المختلفة إلى شبكة عصبية واحدة تعمل بكفاءة.
واليوم، تستخدم العديد من التطبيقات شبكات الكشف عن الكائنات كأحد مكوناتها الرئيسية ولكن تبقى هذه التقنية متخلفة عندما يصبح الأمر متعلقا بالرموز التي تقف خلفها، فهي في وضعها الحالي لا تستطيع تحليل السياق ويمكنها فقط إيجاد "البطيخ" ولكن لا يمكنها معرفة إن كان الحديث عن الرمز أم الفاكهة، لهذا تحتاج إلى إشراف بشري لحد الآن.
أخلاق مدير التحرير..بين نيويورك تايمز وفيسبوك
ليس هناك شك في أن الصورة التي نشرتها نيويورك تايمز في سبعينيات القرن الماضي عن حرب فيتنام لو كانت في زمننا هذا لربما أوقفتها خوارزميات فيسبوك من الوصول إلى العالم، ولربما استمرت الحرب لعدة سنوات أخرى، فلا يعني امتلاكنا التقدم التكنولوجي بدون أن يصاحبه عنصرا الأخلاق والإنسانية أن حياتنا ستصبح أسهل وأفضل، ويجب ألا نخدع أنفسنا بأن قوة الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تهزم الإنسان طالما كانت قضيته عادلة.
المصدر : الجزيرة