17 عاماً على انتفاضة الأقصى
يعيش الفلسطينيون اليوم في ظلال ذكرى انتفاضة الاقصى التي اندلعت يوم 28 من ايلول من عام 2000 ،على إثر اقتحام ارئيل شارون رئيس وزراء الاحتلال ،أنذاك باحات المسجد الاقصى برفقة مئات من عناصر الشرطة الاسرائيلية في تحد لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين.
ورغم مرور 17 عاماً على انتفاضة الاقصى الا أن اجواء تلك الانتفاضة وما سبقها من انسداد في الافق السياسي وانتهاكات الاحتلال التي تصاعدت بشكل كبير خلال السنوات الماضية ،لا زالت تخيم في المنطقة ،ومنذ ذلك الحين اندلعت انتفاضة القدس وهبة الاقصى.
محور وعنوان تلك الهبات والانتفاضات وفقاً لما يراه محللون وسياسيون كان دوماً المسجد الاقصى وتدنيس المقدسات والاعتداء على الحرائر في المسجد الاقصى، فيما اختلفت اشكال تلك الهبات والحراك منذ الانتفاضة الاولى وفقاً للأوضاع السياسية والإمكانيات، التي توفرت لمقاومة الاحتلال.
الانتفاضة الاولى التي وصفت بالانتفاضة الشعبية والتي اتبعت وسائل المقاومة الشعبية ، فيما طغى اسلوب المقاومة المسلحة والعمليات الفدائية على الانتفاضة الثانية الحقت اضراراً كبيراً بالاحتلال والمستوطنين ،ووصلت تلك العمليات الى العمق الاسرائيلي، ولم تقتصر على مدن الضفة الغربية وقطاع غزة كما حدث في الانتفاضة الاولى.
ويرى منتدى فلسطين للاعلام والاتصال في ورقة حقائق ومعلومات أن الانتفاضة الثانية تسببت في انعدام الامن في الشارع الإسرائيلي بسبب العمليات الاستشهادية وضرب السياحة في الكيان الاسرائيلي ،فيما تمكن عناصر من الجبهة الشعبية من اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي وقائد وحدة الكوماندوز في معركة مخيم جنين التي قتل فيها 51 جندياً اسرائيلياً.
واجتاحت قوات الاحتلال مدن الضفة الغربية بصورة وحشية فيما عملت الفصائل الفلسطينية على تطوير أجنحتها العسكرية،خاصة كتائب القسام وكتائب شهداء الاقصى وسرايا القدس ، وباتت تمتلك بعض الفصائل صواريخ تضرب بها المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة، وكانت مستوطنة "سديروت"، شمال قطاع غزة، على موعد مع تلقي أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع.

وحصل أول صدام مسلح على نطاق واسع بين قوات السلطة الفلسطينية وجيش حكومة الاحتلال، حيث استشهد عدد كبير من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في هذه الانتفاضة.
وتصاعدت المواجهة لتدخل طائرات الاحتلال معتركها باستهدافها للناشط البارز في حركة فتح حسين عبيات، بتاريخ التاسع من تشرين الثاني، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون بمثابة الفاتحة في سلسلة الاغتيالات الاحتلالية للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، وكان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات.
وفي ١٨ أيار قصفت طائرات أل اف ١٦ المقاتلة معترك الانتفاضة، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وجاء ذلك بعد أن نفذت عملية تفجير في مركز تجاري سياحي بمدينة نتانيا الساحلية وأسفرت عن مقتل خمسة مستوطنين وإصابة آخرين.
وتعتبر عملية "السور الواقي" التي اجتاحت من خلالها دبابات الاحتلال مدينة رام الله في ٢٩-٣-٢٠٠٢، ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات، وكنيسة المهد وابعاد المقاتلين الذين تحصنوا فيها إلى غزة والأردن ودول اوروبية، وأعادت فيها احتلال جميع مدن الضفة الغربية، من أبرز محطات الانتفاضة.
وكتب الباحث في شؤون الاسرى ثامر سباعنة كيف عايش الاسرى الانتفاضة الاولى ويقول" مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 كنت أقبع في سجن مجدو، وكان عدد الأسرى حينها منخفضًا جدًا، حتى أن سجونًا وأقسامًا أغلقت، وربما جاوز عدد الأسرى حينها الألف بقليل، ولكن ما إن بدأت الإنتفاضة حتى عاد الاحتلال إلى سياسته القديمة، وخلال أقل من ثلاثة أشهر امتلأت أقسام السجن بالأسرى، وفُتح قسم جديد، وقسم آخر، حتى أعيد فتح كل الأقسام المغلقة في سجن مجدو، وكذلك جرى في سجون أخرى".
وتابع خلال هذه الفترة استهدف الاحتلال صغار الفتية والشبان، ووجه لهم تهمًا كبيرة للزج بهم لأطول مدة ممكنة في السجون والمعتقلات، وإنهاء حياتهم وتدمير مستقبلهم، وبالفعل كان لانتفاضة الأقصى أثرًا بارزًا في تغيير وجه مستقبل جيل كامل من الفتية عانوا في التحقيق والزنازين ما لم يحتمله الكبار.
في الوقت ذاته بدأت سياسة “الحملات”، وما تبعها من عمليات اعتقال واسعة، كانت تطال العشرات في ليلة واحدة، سواءً ردًا على عملية فدائية أو كإجراء وقائي واحترازي لهبة تصعيدية جديدة، في هذه الحملات استهدف المحتل الناشطين والشخصيات المعروفه في التنظيمات الفلسطينية، وزج بمعظمهم في أتون الاعتقال الإداري دون توجيه تهم واضحةٍ لهم.
كما امتازت هذه الفترة بالغرامات العالية التي أثقلت كاهل العائلات الفلسطينية، إن هذه الغرامات أضحت جزءًا أساسيًا من عمل محاكم الاحتلال حيث لا يكاد يخلوا حكم من غرامة مالية عالية، ويتفاوت مقدار الغرامة ولكنه بالمعدل يصل إلى 1500 دولار للأسير، علمًا أن هناك من الأسرى من حوكم بغرامة 100 ألف شيكل ومنهم ما هو أكثر.
تلك المرحلة أيضًا شهدت ظهور الإضرابات الفردية، التي نفذها عدد من الأسرى الفلسطينيين احتجاجًا على اعتقالهم أو اعتراضًا على ظروف حياتهم في سجون الاحتلال.
أما الاعتقال الإداري أو ما أسميه بالموت البطيء، فقد شهد هذه الفترة ارتفاعًا ملحوظاً باستخدام الاحتلال لسياسة الاعتقال الإداري كعقوبة ورادع للفلسطيني، وقتل لروحه ولانتمائه.
ورغم سياسة الاحتلال وإجراءاته والاعتقالات والملاحقة الا ان الفلسطينيين ووفقاً لما يقر به الاحتلال كانوا الاقدر على العودة بشكل اقوى كل مرة لمواجهة الاحتلال بكافة الوسائل.