"المعاكسات" ... ظاهرةٌ سلبية تتفشى في أوساط الشباب وتتفاقم وسط غياب العلاج !
كتب - محمـد عوض :
خاص وكالة الحرية الإخبارية - إن عدم تسليط الضوء على ظاهرةٍ ما، لا يعني إطلاقاً بأنها غير موجودة في مجتمعٍ ما، فعلياً، آلية قياس تحول فعل فردي إلى ظاهرة، يمكن قياسه من خلال الكثير من المؤشرات، أهمها عدد الحالات التي ترتكب الفعل، والحالات المفعول بها، وهذا يعبر عن حالة أخلاقية مجتمعية، وفقاً لمنحى آخذ بالصعود أو الهبوط .
"المعاكسات"، أحد الظواهر المغطاة بثوب الحياء أحياناً، والخوف أحياناً أخرى، وإن الكل في مجتمعنا مسؤول عن تفشي الظاهرة، وانتقالها تصاعدياً من بضع حالات، إلى حالات لا تعد ولا تحصى، فالفاعل مسؤول، والأب مسؤول، والأم مسؤولة، ومؤسسات التربية والتعليم مسؤولة، والحكومة مسؤولة، إن لا أحد يستثنى!
تجمع الشبان على أرصفة الشوارع هنا وهناك، والأماكن العامة، و"معاكسة" الفتيات، ناتج عن الكثير من الأسباب الاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية، وتسببت أفعال كهذه بالعديد من الشجارات من يومٍ لآخـر، والمشاكل الكبيرة، التي تطورت لاستخدام السلاح، والتهديد بالقتل، والوصول إلى القضاء .

- المعاكسات في الشوارع والإنترنت
لم تعد المعاكسات متوقفة على تلك العبارات في الشوارع، بل باتت اليوم مع التطور التكنولوجي، ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، تمتد شيئاً فشيئاً إلى شبكة الإنترنت، فهي الوجهة الأسهل، والأسرع، والتي يمكن أن يخفي فيها الفاعل وجهه، أو يترصد لأكبر عدد من الفتيات، في ظاهرة تدلل على مدى الانحدار الأخلاقي .
تنشأ الأزمة الأخلاقية بالنسبة للذكر من الصغر، ففي المدرسة، يجد نفسه متواجداً قبل وبعد نهاية الدوام، في انتظار قدوم أو مغادرة الجنس الآخـر، وتتفاقم مع مرحلة المراهقة، في ظل التغيرات النفسية والجسدية والعقلية التي تطرأ على الفرد، لكن الإشكالية الأعظم، تنامي الحالة مع دخول الجامعة، والتقدم في السن .
- أسباب كثيرة عميقة
البطالة، وتواجد الشباب لساعات طويلة في الشوارع، وعلى شبكة الإنترنت، ومع حالة الفراغ المتنامية، تجعل من إشكالية "المعاكسات" تتطور، وقد لا تقف في مرحلةٍ من المراحل على المعاكسة اللفظية، فقد تصل إلى المعاكسات الجسدية، أي باللمس، أو محاولة اللمس، وهذا المنحنى أكثر خطورةً، وسقوطاً .
الكثير من موضوعات النقاش صاحبها حديث موسّع علمياً عن هذه الظاهرة، وعن أسبابها، وطرق علاجها، وهذا بحاجة إلى جهدٍ مجتمعي بنيوي بأسس علمية، ومنطلقات منطقية، للوقوف عنده، لكن الإعلام الفلسطيني يمكنه على أقل تقدير لفت الانتباه إلى هذا الظاهرة المقلقة في شوارعنا الفلسطينية، لأن الصمت يجعلها تتفاقم عنوةً عن الجميع .
ملابس الفتيات، تعد من الأسباب التي يعلّق عليها الشباب أفعالهم، وإذا كانت الفتاة تكشف عن رأسها، فتثير غريزة الرجل، فهنا نطرح بضع تساؤلات، فمن العلة ؟ هل الفتاة مسؤولة عن غرائز الرجل ؟ هل مظهر الفتاة يشرّعن للشاب معاكستها ؟ وهل تقتصر المعاكسات بالأساس على من يلتزمن بالزي الشرعي ؟ وكم نسبة الفتيات في المجتمع الفلسطيني الملتزمات بالزي الشرعي ؟ وما تعريف الحرّيات لدينا ؟

- أرقام وإحصائيات متعدّدة
في جمهورية مصر العربية، وإبان الثورة، تفاقمت حالات التحرّش، إلى درجةٍ لا يمكن وصفها على الإطلاق، وشُكّل الكثير من المجموعات الشبابية التي وقفت في الشوارع لصد الآخـرين عن هذه الأفعال المشينة، ظاهرة التحرش حينها تصدرت المشهد في دولةٍ تعدادها أكثر من 90 مليون نسمة، وباتت حديث الساعة، وهذا ما يجب قمعه فلسطينياً .
تعتبر صحيفة واشنطن بوست، أن مصر من أسوأ دول العالم في نسب التحرش بالنساء، وتحتل المرتبة الثانية بعد أفغانستان، وتقول دراسة تابعة للمركز المصري لحقوق المرأة عن التحرش الجنسي أن 83% من النساء المصريات يتعرضن لشكل من أشكال التحرش، 64,1% منهن يتعرضن للتحرش بصفة يومية، و33,9% يتعرضن للتحرش أكثر من مرة وليس بصفة دائمة.
نستعرض بعض عقوبات التحرّش أو المعاكسة في دولٍ عربية، ففي المملكة العربية السعودية، تصل عقوبة السجن خمس سنوات، والغرامة المالية إلى نصف مليون ريال، في مصر، وبعد حوادث التحرش بالفتيات في ميدان التحرير والتي أثارت غضباً واسعاً، تم تحديث القانون إلى العقوبة بالحبس لمدة عام والغرامة بخمسة آلاف جنيه كحدّ أدنى، وعشرة آلاف جنيه كحدّ أعلى، وتزيد العقوبة حين يكون للمتحرّش نوع من السلطة الوظيفية أو يحمل سلاحاً أو معه من يعاونه إلى ما بين السنتين والخمس سنوات مع غرامة مرافقة ما بين الـ20 ألف جنيه و50 ألف جنيه.

المغرب، طرح مشروع قانون بحبس المتحرش من شهرين إلى عامين، وبغرامة مالية تتراوح بين 1000 درهم و3000 درهم، لكن الحكومة تحفظت على مشروع هذا القانون ولم يتم الإقرار به حتى الآن.
وضمن دراسة ميدانية لوكالة رويترز عام 2010م، في قضايا التحرش الجنسي بمواقع العمل، تم الكشف عن أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة شملتها الدراسة، و12 ألف امرأة شملتها العيّنة، وهيَ بذلك تسبق النسبة في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها، وتقول الدراسة أن 16% من العاملات بالسعودية يتعرضن للتحرش من رؤسائهن في العمل، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 26% في الهند، وأدناها في السويد وفرنسا 3%..
التطرّق لبعض الأرقام في دولٍ عربية، وبعض الدول الأوروبية، كان هاماً جداً، لأسباب عديدة، من أهمها، بأننا يجب أن نتلمس هذه الظاهرة بأيدينا سريعاً، لئلا تتطور، فالتعداد السكاني الفلسطيني ليس كبيراً "الضفة وقطاع غزة 4 مليون نسمة تقريباً"، وهذا ما يسهل الحد قدر الإمكان من هذه الجريمة، لكن الاستمرار في غض الطرف عنها، لن يقود إلا لتفاقمها، والسقوط في دوامة أخلاقية منحدرة .
** ملاحظة : الصور تعبيرية، وليست من فلسطين .