المركبات غير القانونية شبح على الطرقات والقانونية ليست في متناول العامة !
خاص للحرية - محمد عوض :
وكالة الحرية الإخبارية - إن الظواهر الإنسانية، أي تلك المرتبطة بالعنصر البشري، مهما كانت، لا تنشأ بمعزلٍ عن المحيط الاجتماعي بكل تأكيد، لكن ما ينبغي أن نسعى إليه، هو الفهم الموضوعي للظاهرة، القائم على الدراسة الصحيحة للمنطلقات البنيوية لنشوئها، وتطورها، وسبل معالجتها، في إطار أخلاقي إصلاحي هادف إلى التحسين .
وأحدث الظواهر موضوع المعالجة حالياً، والمسلط عليها الضوء إعلامياً، على الصعيد المحلي، ظاهرة "المركبات غير القانونية"، وتبذل أجهزة الأمن الفلسطيني، جهداً كبيراً للقضاء عليها، وهذا ليس سهلاً على الإطلاق، فمصطلح القضاء أكبر من الجهد المسموح بأن يُبذل، ولا يوازي حجم المعيقات التي تحول دون تحقيق الهدف .
- "67" ألف سيارة غير قانونية
وزير النقل والمواصلات في الحكومة الفلسطينية، سميح طبيلة، قال في تصريح صحفي سابق، بداية الشهر الجاري، بأن 300 ألف سيارة على شوارع الضفة الغربية، 67 ألف منها غير مرخصة (غير قانونية)، وشدد على أن ظاهرة المركبات غير القانونية، ظاهرة شديدة الخطورة، داعياً إلى ضرورة تضافر الجهود لإيجاد حلول لهذه القضايا .
مدير شرطة المرور العقيد زنيد أبو زنيد، أشار في حديث إعلامي سابق، إلى أن تعاون المجتمع المدني مع الشرطة، يسهم في المساعدة على القضاء على المركبات "المشطوبة"، لافتاً إلى أن وسيلة التنبيه والإرشاد، بات غير مجدية أمام استفحال الظاهرة، مما وصل فعلياً إلى عدم القدرة على ضبط حركة قانونية المركبات على الشارع .

- سبع حالات وفاة العام الماضي
وحسبما سجلت شرطة المرور، فإن سبع حالات وفاة سجلت العام الماضي، جرّاء حوادث بالمركبات غير القانونية، بالإضافة إلى إتلاف 3500 سيارة غير قانونية منذ بداية العام الجاري، ويكتفي القارئ هنا، بلفت النظر إلى أن 67 ألف مركبة، أتلف منها لغاية الآن 3500 مركبة، خلال العام الجاري، ونطرح سؤالنا هنا : كم عدد المركبات غير القانونية التي جاءت من مناطق الداخل الفلسطيني المحتل بدلاً مما تم إتلافه ؟ يبدو الرقم صغيراً للغاية فعلياً، والظاهرة قديمة .
من منطلق موضوعية الطرح، يتوجب الإشارة إلى أن الموت إذ يأتي فلا يستأذن أحداً، وهو ممكن بالمركبات غير القانونية، والقانونية، إلا أن الأولى، وكثرتها، تؤدي إلى ارتفاع أعداد الوفيات بسبب الحوادث، فهي رخيصة الثمن، ويمكن اقتنائها، ويمكن المخاطرة بها، وتمتلكها فئة مجتمعية شابة في الكثير من الأحيان، وهذه الشريحة المعروفة بالطيش، والتهورّ، واللامبالاة تجاه الآخـر، وعدم تقدير قيمة الشيء .
- المركبات غير القانونية والقانونية
المركبات غير القانونية، شبح على الطرقات، وتنامي الظاهرة له العديد من الأسباب التي نعرفها، والتي لا نعرفها، مثل :
- انخفاض أسعارها إلى حد كبير مقارنة بالقانونية .
- السوق الرائج محلياً، وتقليد كل شخص للآخـر .
- سعي الشباب لاقتناء المركبات - مهما كانت - كمظهر اجتماعي .
- تواجد عدد كبير منها في مناطق غير تابعة للسلطة الفلسطينية .

يتوجب طرح سؤال هنا : إذا قضت السلطة الفلسطينية – مثلاً – على المركبات غير القانونية، فكيف سيتخلص "الكيان المحتل" من كم المركبات الزائدة عن الحاجة ؟ أو المركبات التالفة ؟ أو المركبات التي يجدّدها أصحابها ؟ أو المركبات التي يمنع الترخيص أو التأمين من تجديد ترخيصها أو تأمينها لأي سبب من الأسباب ؟
أسعار السيارات في "الكيان المحتل" مقارنة مع دخل الأفراد، في متناول العامة، وبالتالي يمكن تجديد المركبة خلال فترة زمنية معينة، وتصبح القديمة معروضة للبيع بثمن بخس .
فعلياً، "الكيان المحتل" يقوم بكب السيارات من خلال شطبها، على الضفة الغربية، حتى أغرق مناطق بأكملها بهذه الآفة .
وزير النقل الفلسطيني سميح طبيلة، أوضح سابقاً، بأن أسعار السيارات في فلسطين، جرى تخفيضه عام 2005م، لإيجاد بديل للسيارات المشطوبة، لكن الحكومة – حسب تعبيره – بعد قرارها هذا، لم تحل مشكلة المركبات غير القانونية، وهذا من يجب لفت الانتباه إليه، كم كانت نسبة التخفيض ؟ إلى أي حد باتت إمكانية اقتناء السيارة للمواطن العادي ممكنة ؟ إن مشكلة غلاء المركبات في فلسطين، ليست مشكلة المواطن، لكنه يتحمل عبئها الأكبر، بل هي مشكلة يجب على الجهات المسؤولة حلّها.
- مقارنة : الضفة، الأردن، الكيان المحتل
بما أننا لسنا بمعزل عن المحيط الإقليمي، فيجب علينا مقارنة أسعار المركبات القانونية بين الضفة الغربية، الأردن، الكيان المحتل، مع التأكيد على أن مشكلة ارتفاع الأسعار، هي مشكلة حكومية بحتة، يجب ألا تُلقى على كاهل المواطن، مع التنويه إلى أن المواطن متوسط الدخل بحاجة وفقاً لمتوسط الدخل إلى قرض بنكي يمتد لسنوات لشراء سيارة منزلية متواضعة !

المقارنة على موديل معين من السيارات، وقديم، ويمكن التعميم على جميع الأنواع، والموديلات، وتعميم النتائج :
سيارة من طراز "بيجو 306"، موديل عام 2000، محرك بنزين، قوة 1600، متوسط السعر في الضفة الغربية : 23 ألف شيقل، في الأردن : 3000 دينار أردني بما يعادل وفق سعر صرف العملة اليوم 15 ألف شيقل تقريباً، أي أن الفارق 8000 شيقل، فيما يبلغ متوسط سعرها في الكيان المحتل 3500 شيقل .
متوسط دخل الفلسطيني في الضفة الغربية أقل من 2000 دولار في السنة، في حين متوسط الدخل في الكيان المحتل يزيد عن 35 ألف دولار في السنة، والحد الأدنى للأجور في فلسطين 1450 شيقل شهرياً، وفي الكيان المحتل 5500 شيقل .
تقريب آخـر للمقارنة بإمكانية شراء السيارة التي عرضناها في مقارنة الأسعار، بين المواطن في الضفة الغربية، وفي الكيان المحتل.
- العينة :
فلسطيني، يحصل على الحد الأدنى للأجور في فلسطين .
"إسرائيلي"، يحصل على الحد الأدنى للأجور الكيان المحتل .
- الفلسطيني : ثمن السيارة "محور المقارنة في المثال أعلاه" يعادل راتب 16 شهراً كاملاً من العمل، ويبدو الأمـر شبيهاً للأردن، إذ أن متوسط الدخل الشهري 190 دينار.
- "الإسرائيلي" : ثمن السيارة "محور المقارنة في المثال أعلاه" يعادل أجر 19 يوماً فقط من العمل .

إن كل المبرّرات التي يمكن أن تساق لهذه الإشكاليات، وتعاظمها، وفارق الإمكانيات، ما هو إلا معضلات يرتبط حلّها بالحكومة فقط، دون تحميل كافة التبعات للمواطن وحده، مما يقوده إلى استحداث ظواهر غير قانونية، كظاهرة المركبات غير القانونية مثلاً.
تصبح أسباب انتشار الظاهرة – أي كانت -، مبرّرات، إذا لم تجد معالجة موضوعية، أخلاقية، إصلاحية، تعاونية هادفة، وإذا كانت شريحة من الشعب ضد المركبات العمومية، لأنها آفة خطرة فعلياً، فهناك – لأسباب عديدة – وجب معالجتها، يسعى إلى جعل هذه الظاهرة، مبرّرة، ويدافع عنها، بكل قوته .