"شمس" يعقد لقاء حول حقوق الأقليات الدينية والإثنية في زمن الانتقال الديمقراطي

وكالة الحرية الاخبارية -  عقد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" ورشة عمل في جامعة القدس حول حقوق الأقليات الدينية والإثنية في زمن الانتقال الديمقراطي وقد افتتح الورشة محمد سعيد من مركز "شمس" معرفاً بالمركز ونشاطات المشروع ، وقال أن المركز يسعى جاهداً للعمل مع الشباب في الجامعات من أجل رفع الوعي وإحداث التغيير المنشود ،وقال أن الورشة هي إحدى نشاطات مشروع تعزيز الديمقراطية والثقافة المدنية ، بدعم وتمويل من الصندوق الوطني الديمقراطي (NED).

من جهته قال الدكتور عيسى أبو زهيرة أننا عندما نفكر في الأقليات، تواجهنا صعوبات، وهي ليست بالضرورة صعوبات معرفية، بل هي صعوبات ذات طبيعة سياسية. فمع إنشاء الدول الحديثة كانت مسألة السيادة والوحدة هي الهاجس الأول وأي حديث عن أقليات داخل الدولة كان يُنظَر له بحذر بل بشبهة على أنه دعوة انفصالية أو تهديد لوحدة الأمة والدولة. وحتى في الدول العريقة في تقاليدها الديمقراطية في أوربا الغربية فإن مسألة الأقليات لم تكن مطروحة انطلاقًا من كون جميع المواطنين سواسية أمام القانون ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. هذه الصعوبات والعوائق في التعريف لا تمنعنا من تبني تعريف يكاد يكون عليه إجماع لكونه صادرًا عن اللجنة الفرعية لمحاربة التمييز وحماية الأقليات التابعة للأمم المتحدة، وهو تعريف مفاده أن مجموعات أشخاص يمكن وصفهم بأقلية حين تتوفر أربعة شروط، وهي: ضعف عددي مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان.وضعية غير مهيمنة داخل الدولة.ميزات إثنية ولغوية ودينية مشتركة.المواطنة في دولة الإقامة.هذا فضلاً عن كون المواثيق الدولية لا تقف عند تعريف الأقليات، بل تتجاوزه للدعوة إلى احترام حقوقها؛فالمادة (27) للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ينص على ما يلي "داخل الدول التي توجد فيها أقليات إثنية، أو دينية، أو لغوية، لا يمكن حرمانهم الأفراد المنتمين لهذه الأقليات من حقهم في حياتهم الثقافية، ونشر وممارسة دينهم أو استعمال لغتهم مع أفراد مجموعتهم".

وقال إن مطالب الأقليات في مراحل الانتقال الديمقراطي ، تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إن هي كانت منظمة وذات مطالب سياسية تروم العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة، في بناء لبنة الديمقراطية في البلد بشرط أن لا يتحول خطابها إلى خطاب عرقي يحمل في طياته بذور الانفصال أو الحقد والدعوة إلى العنف على أساس سمو إثني أو تميز عرقي. وقال إن الأقليات الإثنية في مطالبها إذا هي تبنت في خطابها مبدأ العنف والحقد والنعرات الضيقة تتحول إلى عائق نحو الديمقراطية بل تؤدي إلى نزاعات إثنية تشن حروباً أهلية تعود بالبلد إلى الخلف. ولكن إذا كانت هذه الأقليات الإثنية تتبنى خطاباً سياسياً، وتشارك بفاعلية في معترك الحياة السياسية في البلد، حتى وإن كانت تشكِّل انطواءً هوياتياً، فإنها تساهم في الديمقراطية. وهنا كذلك يرتبط الأمر بنظام الدولة المركزية القائم هل يسمح بهذه المطالب، ومدى استجابته لها، وانفتاحه على هذه الأقليات ومنحها مساحة للتعبير عن موقفها سلميًّا وداخل إطار التعددية. ولعل ظهور ما يطلق عليه "أحزاب إثنية" في دول أوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية دليل على قدرة هذه الدول على فتح المجال أمام الأقليات كي تدخل معترك الحياة السياسة من خلال ما يُعرف بالأحزاب الإثنية.

وقال أبو زهيرة أن البلدان العربية عرفت في المدة الأخيرة في إطار ما أصبح يُطلق عليه الربيع العربي ثورات عصفت بأنظمة عتيدة مما أدى إلى دخول هذه البلدان مخاض مرحلة انتقالية عرفت ظهور قوى ونزعات كانت خفية بفعل القمع الذي كان سائدًا في ظل الأنظمة الديكتاتورية السابقة. إن مرحلة الثورة التي عرفها بعض البلدان العربية كانت فرصة سانحة لعودة الولاءات التقليدية وظهور الأقليات كقوة كانت كامنة في المجتمع. وقال أن بعض الجماعات التي كانت تنتمي لتنظيمات دينية سياسية محظورة وجدت الفرصة سانحة لقلب النظام وشكَّلت تنظيمات مسلحة لكن بقي المحدد القبلي هو الأهم في تحديد التضامن وتشكيل الوعي الجمعي .

وأوضح أبو زهيرة أنه لا يمكن لأي مجتمع ديمقراطي أن يتأسس على فكر أحادي يرى في كل خصوصية محلية أو أقلية تهديدًا لوحدته وانسجامه لأن نموذج الدولة السائد في البلدان العربية هو نموذج الدولة المركزية التي لا تقبل بحقوق الأقليات، وهو نموذج ورثته هذه الدول من الفترة الاستعمارية أو أنتجه نظامها الاستبدادي. 

تدريجياً احتلت أجهزة الدولة ما بعد الاستقلال مواقع السلطة ومدت سلطتها أكثر عمقا في نسيج المجتمع التقليدي، معتمدة على أطر وموظفين من خارج المجال ومنهم محليون مجبرون على تطبيق قوانين ونظم مستوردة. إن الدولة الحديثة لا تعترف بالخصوصيات لأنها ترى فيها تهديدًا لوحدتها أو بالأحرى لاحتكارها لجميع الصلاحيات. ومن أهم ذلك القبيلة، فالدولة لا يحصر دورها في احتكار الرأسمال المادي بما فيه العنف الجسدي الشرعي، بل في احتكار جميع الرساميل الرمزية والثقافية وغيرها. فالدولة لا تقبل أن يشاركها أي طرف في المجتمع وتعمل على سلب صلاحيات الأجهزة التقليدية في تدبير الشأن العام . وفي هذا السياق يصعب على الأقليات لعب دور في إطار الانتقال الديمقراطي في بعض الدول لأن الثقافة السياسية السائدة رغم الثورات التي عرفتها هذه الدول لا تزال محكومة بالحذر بل مبنية على الإقصاء تجاه الأقليات.

وقال إن الحركات المعبرة عن مطالب الأقليات الإثنية ورغم انطلاقها من قاعدة إثنية لا يجعل منها تعبيرا عن انطواء هوياتي ضد الديمقراطية. كما أن الطابع السياسي الذي تتخذه المطالب المؤسسة على الإثنية ليس ضداً على الديمقراطية والحداثة بل قد يُعتبر عنصراً مهماً في مسار الديمقراطية فاسحاً المجال أمام اعتراف الدولة المركزية بحقوق جزء من سكان البلد ومنحهم مواطنة كاملة. إن الأقليات بدعوتها ونضالها في سبيل انتزاع حقوقها اللغوية والثقافة والسياسية والمدنية تساهم في تقدم مسيرة الديمقراطية في البلد. كما أن انخراط الفرد في الهوية الإثنية في مواجهة الدولة ليس أمراً سلبياً دائمًا بالنسبة لتقدم الديمقراطية، بل يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة لبناء ذاته. فالانطواء الهوياتي يشكّل أحياناً وسيلة لبناء ذات الفرد كفاعل اجتماعي قادر على المبادرة والاحتجاج والمشاركة والتفاوض ودمجه داخل النسق العام للدولة.

وفي نهاية اللقاء أوصى المشاركون بضرورة بناء ثقافة سياسية قائمة على التعدد الثقافي واللغوي والديني الذي حتماً سيعطي لكل الأقليات حقوقها ويعترف بخصوصيتها دون أن يكون في ذلك تهديد لوحدة البلد. وحتى إذا كنا لا نعتبر المجتمع في الوقت الحالي مؤهلاً للأحزاب الإثنية على شاكلة ما هو قائم في أميركا اللاتينية أو بلغاريا فإن الاعتراف الدستوري بالتنوع اللغوي والثقافي والحرية الدينية كفيل بضمان حقوق الأقليات مع العمل على نشر قيم التسامح والحوار بين مكونات المجتمع. وبضرورة تطوير مرفق الأمن ليصبح أكثر قدرة على أداء واجباته بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ومتطلبات التحول الديمقراطي بصفة عامة .وبضرورة أن تتخذ الدول تدابير إيجابية اتجاه الأقليات المقيمة تاريخياً على أراضيها .