إسرائيل: حكومة يمين في وجه أوباما وأوروبا
وكالة الحرية الاخبارية -وكالات|لم يتوقع بنيامين نتانياهو، في أزهى أحلامه، أن يستيقظ صباح الأربعاء، على انتصار ساحق يهزم فيه خصومه هزيمة نكراء تجعله رئيس حكومة مرة أخرى. فقد بات في تلك الليلة والمعلومات المسربة من لجنة الانتخابات المركزية تقول إنه في وضع تعادل. فخلد للنوم مرتاحاً، لأنه كان قد أمضى يوماً عصيباً وهو يستغيث بالناخبين من اليمين أن يهبوا لانقاد حكومته. كان يتحدث صراحة على انه بات على شفا الهزيمة، قال: «لا تسمحوا بتشكيل حكومة يسار تستند إلى أصوات العرب»، فتدفقوا ورفعوا من نسبة التصويت عموماً والتصويت لحزبه الليكود بوجه خاص. وبدلاً من أن يحصل انقلاب عليه، استيقظ على انقلاب في النتيجة، يمنحه لا أقل من 30 مقعداً. فوجئ هو نفسه بذلك، ومثله فوجئ كثيرون. وقد رغب في أن يحتفل بنشوة النصر، لكنه لم يجد من يحتفل معه. فالنشيطون في حزبه كانوا قد غادروا.
ونشوة النصر هذه، لم يحظ بها نتانياهو لولا خطة عمل مركزة ومكثفة قام بها خلال الأيام بل والساعات الأخيرة من يوم الانتخابات. فقد اتبع تكتيك المعركة السلبية، الذي يبدو فيه وكأن حزبه ومعسكره ينهاران. فبث خلال الساعات الأخيرة من هذا اليوم نداءات استغاثة لجمهور اليمين مدعياً أن هناك خطراً كبيراً على حكم اليمين بسبب الحملة العربية والدولية الممولة من الخارج لإسقاطه. وقد فعلت هذه الحملة فعلها فهب سكان القدس اليهود ومستوطنات الضفة ومعهم بلدات الشمال وبخاصة كريات شمونة ونهاريا ليحصل منهم على أعلى نسبة تصويت بين الأحزاب المنافسة.
ولهذا، وجدنا المحللين والخبراء يعتبرونه «انتصار الخوف والتخويف». ونتانياهو فنان في هذا المجال. يرعب شعبه من النووي الإيراني، ويخيفه من خطر حزب الله، ويحذره من هجوم صواريخ من حماس. والمجتمع الإسرائيلي انجر وراءه. صدقه ومنحه أصواته.
لقد نجح في إقناع الجمهور بأن هناك خطراً على وجود إسرائيل. صحيفة «هآرتس»، التي قادت الحملة لإسقاط نتانياهو، كتبت تقول إنه «يجب أولاً حني الهامات، فالشعب قال كلمته. الانتخابات كانت حرة، سرية ومستقيمة. وإذا كانت الأرض (الإعلامية) منحازة، فقد كانت ضد اليمين. وعلى رغم ذلك، فان الغالبية حددت في قرار ضد التيار، بأن نتانياهو سيكون رئيس الحكومة المقبل وأن الليكود سيكون الحزب الحاكم، وأن الأحزاب الدينية والقومية المتعصبة ستكون جزءاً لا يتجزأ من السلطة.
وكتبت: «من توقع عودة عام 1999، حصل على صيغة جديدة وقوية لسنة 1996: تمرد هادئ في الانتخابات، ليلة من المفاجآت، تتويج نتانياهو كقيصر. لا يمكن المواطن الملتزم بالديموقراطية عدم تبني هذه النتائج لأن هذا هو ما قررته الغالبية، والغالبية هي السيادة».
نتائج الانتخابات الإسرائيلية والمفاجئة جاءت كخطوة شرعية عرّفت إسرائيل نفسها ثانية كإسرائيل نتانياهو. ولم يتردد كثيرون في وصف ما حدث بـ»الكارثة». وبأنه كانت أمام إسرائيل فرصة لحرف المقود في اللحظة الأخيرة، قبل اصطدامها بكتلة جليد اللاشرعية، لكنها قررت الاصطدام بها. كانت هناك فرصة لمنع مواجهة سياسية شعبية على الجبهة الفلسطينية، لكن إسرائيل اختارت المواجهة. بعيون مفتوحة اختارت العمى، وبرأي واضح اختارت النشوة.
وكيف ستنعكس هذه النتائج على أعمال الحكومة المقبلة، سؤال طرحته أكثر من جهة لدى نقاشها نتائج الانتخابات وجاء الرد:
عندما تسفك الدماء هنا سيحدث ذلك لأن الغالبية الجديدة – القديمة اختارت عدم رؤية الفلسطينيين والمستوطنات والاحتلال.
عــنــدما ستـضـرب إسـرائـيـل بالعقوبات، سيحدث ذلك لأن الغالبية الإسرائيلية الجديدة – القديمة، تنكرت لروح العصر.
لقد انتهت معركة الانتخابات الكئيبة والبائسة بقرار حاد، دفن فرصة حدوث يقظة هنا قبل الاصطدام مع الواقع.
«ما حدث هو هزة أرضية. قوة الهزة في عام 2015، لا تقل عن قوة الهزة في عام 1977، وفي عام 1981. وهذا ليس صدفة عندما يواجه ثلث الإسرائيليين حالة اكتئاب.
ويتبين من تركيبة الحكومة أن ربع أعضائها فقط يمثلون أحزاباً ديموقراطية، تلتزم بالديموقراطية بشكل كامل. وتشمل متدينين، ومستوطنين، ومتعصبين وشعبويين. هناك عدة قبائل في الدولة، والدينامية العنيفة بينها هي التي تسبب انشقاق الأرض المرة تلو الأخرى، وابتلاع الأمل. وبدل صياغة مركز عقلاني ومتنور، يقود ويخدم المجموع القبلي، خلقنا حرباً متواصلة بين القبائل، تجعلنا جميعاً نتخذ قرارات غير حكيمة وغير مسؤولة»، هكذا تلخص «هآرتس» عودة نتانياهو إلى رئاسة الحكومة. وتضيف صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «نتانياهو هو صاحب الانتصار الوحيد لحزب الليكود. فهو رجل جُبل للمعارك الانتخابية. فقد نجح في تحويل الخسارة إلى فوز وجرف لحزبه زيادة 50 في المئة من الأصوات. وتجربته الناجحة هذه يجب أن تدرس في كليات السياسة في الجامعات. فهو، كما يقول سلفان شالوم، أحد أنجح السياسيين الشعبويين الذين عرفتهم إسرائيل في تاريخها. لم يهزم خصومه فحسب، بل هزم الاستطلاعات. وهزم الطبيعة. ولكن السبب الحقيقي ليس فيه بل فينا نحن المواطنين. لقد انجرفنا وراء دعايته الرخيصة بأن «البيت في خطر» وتراجعنا عن اتخاذ الموقف الصحيح الذي يقول يجب إسقاط الفاشل».
حكومة أكثر تطرفاً وعربدة وغطرسة
مثل هذا الانقلاب، الذي يمنح اليمين المزيد من القوة، سيجعل الحكومة المقبلة أكثر تطرفاً. فنتانياهو الذي بدأ مشاوراته مع قيادات أحزاب اليمين سيكون قادراً على تشكيل حكومة خلال الفترة الزمنية المحددة له وربما أقل (لديه 28 يوماً، يمكنه أن يطلب تمديدها لأسبوعين آخرين إذا أخفق). والنتائج تمنحه إمكانية تشكيل حكومة يمين بأكثرية 67 نائباً ومن غير المتوقع مواجهة إشكاليات كبيرة مع هذه الأحزاب، لكنه قد يواجه صراعاً داخل حزبه حول الحقائب الوزارية. فهو لن يتمكن، كما يبدو، من المس بالوزراء الحاليين، بينما يدين، في المقابل لعدد من النواب الذين وعدهم بمناصب وزارية خلال الحملة الانتخابية، ومن بين هؤلاء زئيف الكين وياريف ليفين وغيلا جملئيل وميري ريغف.
النتائج التي أفرزتها هذه الانتخابات تمنح كتلة اليمين أكثرية وجاءت على النحو الآتي: «كولانو»، وهو حزب جديد بقيادة موشيه كحلون، المنشق عن الليكود، 10 مقاعد، وحزب المستوطنين «البيت اليهودي» بقيادة نفتالي بنيت 8 مقاعد، وحزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس» 7 مقاعد، وحزب اليهود المتدينين الأشكناز «يهدوت هتوراه» 6 مقاعد، و»يسرائيل بيتينو» بقيادة أفيغدور ليبرمان 6 مقاعد. وبالمقابل حصل «يش عتيد» بقيادة يائير لبيد على 11 مقعداً، وحزب اليسار الصهيوني «ميرتس» 5 مقاعد. أما القائمة المشتركة التي تمثل فلسطينيي 48 فقد حصلت على 13 مقعداً لتتربع في المكانة الثالثة في الكنيست، وهذا التمثيل للعرب هو الأول منذ عام 48.
الضالعون في سياسة نتانياهو يعلمون انه لن يتخذ أية خطوة تحدث تغييراً ما في أوضاع البلاد والمنطقة، إلا إذا نشأت ظروف خارجية قاهرة ترغمه على ذلك. فهو من جهته ينتقل من معركة الانتصار إلى معركة الحفاظ على الكرسي. فهذا سيكون همه الأول. سيحاول بالطبع تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن من دون إعطاء شيء تطلبه، لأن ائتلافه اليميني سيمنعه. بل سيحاول إقناع الأميركيين بأن مواقفه السياسية التي لم تعجبهم هي مواقف الشعب في إسرائيل: «أنتم تريدوننا دولة ديمقراطية؟ حسناً. الشعب الإسرائيلي قرر بالديمقراطية أن يناصر سياستي، فرجاء احترموا إرادة الشعب».
الأوروبيون يهددون بإجراءات عقابية؟
يوجد في الحكومة ما يكفي من قوى عربدة وغطرسة لتهاجم الأوروبيين علناً وتذكرهم بتاريخهم الطويل في اضطهاد اليهود، وصولاً إلى النازية التي حاولت إبادتهم. وليس هذا فحسب، بل سيحاول تأليب الشعوب الأوروبية على قادتها. ويحاول استخدام أسلوب التخويف معها. وقد أعطى الإشارة لذلك أحد المستشرقين الذين ينتمون إلى معسكره اليمين، جاي بيخور، الذي خرج محذراً من «سيطرة داعش على حيز كبير من الشواطئ الليبية بغرض الانتشار نحو أوروبا». فيقول إن «داعش أرادت في حربها الشعواء طيلة السنتين الماضيتين الوصول إلى مكان ما على شاطئ البحر، حتى تستطيع النفاذ منه إلى أوروبا. وحصلت على ذلك مؤخراً بسيطرتها في الشواطئ الشرقية في ليبيا. وقد اقتربنا من فصل الربيع، الذي بات يحمل معاني بائسة في الشرق الأوسط، وهو فصل الهجرة إلى الشمال، ففي هذا الفصل يهاجر مئات ألوف الأفارقة عادة إلى أوروبا. ومع هؤلاء سيسافر حتماً بضع مئات وربما بضعة ألوف وربما أكثر، من المواطنين الذين ينتمون رسمياً وفعلياً إلى داعش وغيرها من الحركات الأصولية المسلحة. ويرى بيخور أن أوروبا لا تعترف بوجود مشكلة كهذه. وما زالت تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. ويؤكد أن إسرائيل تحاول شرح الموضوع للأوروبيين كي يفهموا أن كل بيت لديهم سيصبح في خطر بسبب هذه التطورات.
وإذا كان نتانياهو قد ضلل العالم من خلال عرض كاذب لخطابات الدولتين في بار ايلان، والأمم المتحدة وخطاب 2011 أمام الكونغرس، بينما شجع في المقابل البناء في المستوطنات، بخاصة المعزولة، في شكل يخرب على تطبيق حل الدولتين، سيواصل هذا الطريق الآن ومعه دعم من الشعب. وتلك الفئات من الشعب في إسرائيل، التي منحت أصواتها للأحزاب المؤيدة إقامة دولة فلسطينية اليوم، يتهمها بأنها «تريد تسليم مناطق ستستخدم للهجمات الإسلامية المتطرفة ضد إسرائيل» و«تدفن رأسها في الرمل». ولن يضمها إلى ائتلافه الحكومي المقبل.