وفد "المطّلع" الطبي إلى غزة.. شهادات حيّة وأوضاع كارثية طويلة الأمد
وكالة الحرية الاخبارية - جسور – عبر موجة مفتوحة استمرّت لساعة من الزمن استضاف تحالف شبكة جسور الإذاعية، المكوّن من اذاعة منبر الحرية من الخليل - راديو بيت لحم 2000 من بيت لحم - راية أف أم من رام الله - راديو ناس من جنين - راديو طريق المحبة من نابلس - راديو ألوان من غزة والفجر أف أم من من طولكرم ، استضاف ممثلي الوفد الطبي الذي أرسله مستشفى المطلع في القدس المحتلة إلى قطاع غزة، حيث رووا شهادات حية من مشافي القطاع المنكوب، وتحدثوا عن الأزمة الحقيقية الصحية والبيئية التي خلقتها وحشية الاحتلال، في قصفها للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في القطاع.
واستضاف الزميل فادي العصا عبر هذه الموجة، المدير العام لمستشفى المطلع الدكتور توفيق ناصر، والدكتور مراد كرجة المتخصص في طب الطوارئ والعناية المركزة، والممرضة دينا خوري، المتخصصة في غرف العمليات والعدوى.
الوفد اصطحب معدات وأدوية.. والاحتلال تعنّت كثيراً قبل القبول
وتحدّث ناصر عن أن مستشفى المطلع له تجارب سابقة في مساعدة القطاع الصحي في قطاع غزة، كواجب وطني وإنساني تجاه أهلنا في القطاع، حيث أنه هذه المرّة أيضاً قرر عند بدء العدوان وخاصة عند انهيار القطاع الصحي بعد استهداف من جيش الاحتلال، تشكيل وفد طبي وصل إلى 12 طبيب وممرضة وفنّي، اصطحب معه المعدات اللازمة وأدوية بعشرات آلاف الدولارات، وتوجه للقطاع في الأول من آب/أغسطس الحالي، حيث أكد أنهم قاموا بجهود جبارة هناك.
وأكد ناصر أن مفاوضات حديثة جرت مع الاحتلال حول ادخال الأدوية والمستلزمات والوفد، واضطروا لتزويدهم بلوائح بهذه المواد، حيث كان هناك إصرار من جانب المطلع أن يكون هذا عطاء من القلب إلى القلب، وقال ناصر: "لم نكن نريد تدخّل أي طرف آخر في هذا العطاء، وحاولنا بجهودنا الخاصة أن يصل الوفد حاملاً المعدات والأدوية بنفسه، دون وجود طرف ثالث، وتم هذا الأمر ودخلت المواد والوفود عبر الحواجز ووصلت القطاع".
الوزارة لديها خطة كاملة للتعامل مع كوارث القطاع
وفيما يخص التنسيق مع وزارة الصحة الفلسطينية، أكد ناصر أن الوفد وصل إلى القطاع بتنسيق مشترك مع وفد طبي آخر من الوزارة، عملوا سويةً لمساعدة الطواقم الطبية في القطاع، مؤكداً أن الوزارة لديها خطة كاملة لإرسال الإمدادات الطبية ووفود الأطباء والمعدات حتى انتهاء العدوان وما بعده أيضاً؟
وأوضح ناصر أن هذه الخطة تتركز على إمداد المشافي بالمعدات والأدوية، لأن الكادر الموجود جبّار ولكن المعدات نفذت بالكامل، منوّها وجود غرفة عمليات في الوزارة، تعمل على مدار الساعة، ولديها فرع كامل متخصص بتحويل الجرحى لمستشفيات الضفة والقدس المحتلة، لأن أسرّة قطاع غزة يجب أن تكون "الإستجابة الأولى"، أما الإصابات القديمة والمرضى المستقرون والذين تحتاجون إلى عناية ينقلون إلى الضفة والقدس.
وأكد ناصر أن نقطة الاحتلال وحاجزه العسكري في بيت حانون يتعنت يومياً عند محاولة إخراج الجرحى، فلا يرضى بجميع الأعداد والأسماء التي يزوّد بها للخروج والتحويل إلى الضفة.
غزة.. منطقة "كارثة صحية".. والمشاكل ستظهر تباعاً
وطالب ناصر الرئيس عبّاس بالإسراع لإعلان منطقة القطاع كمنطقة كارثة صحية، حيث أن الجثث الموجودة في مناطق المجازر تحللت، ومن الممكن أن تسبب تفشي العديد من الأمراض المعدية بين أهالي القطاع، وهذا وضع خطير جداً ويجب السيطرة عليه، وهو ليس تخصص مستشفيات بل هناك طواقم أوبئة سوف تدخل القطاع لأداء عملها فيما يخص هذا الشأن.
وقال ناصر: "التعقيدات ستلحق هذا العدوان، ومشاكل عديدة سوف تظهر لاحقاً، لذا فالمطالب الفلسطينية بحرية الحركة على الحدود هي أساسية في هذا الوضع".
شهادات الأطباء: "الوضع كارثي.. والطاقم الطبي في القطاع جبّـار"
أما الدكتور كراجة الذي عاد مع الوفد من القطاع مؤخراً، بعد انتهاء بعثة مستشفى المطلع، أكد أن الوضع الصحي سيء بشكل عام، ليس فقط في المستشفيات، بل أن شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي تعتبر شبكات مدمرة، وأن الأثار الصحية ستكون طويلة الأمد ولن تتوقف بتوقف القصف على القطاع.
وحول طبيعة الإصابات التي وصلت المشافي هناك، قال كراجة "إن جل الإصابات كانت بحاجة لعناية مكثفة، وكان هناك شظايا بلاستيكية حادة، وجدناها في أجسام المصابين، تخترق من الصدر والبطن وتقطع ما يوجد بينهما، ترى المريض لا يعاني من نزيف، ولكن بعد عدة ساعات تلاحظ نزيف من جميع نواحي الجسم، وتصبح السيطرة على حالته الصحية صعبة".
وأكّد كراجة أن الكوادر الصحية فعلت ما تستطيع لتغطية جميع الجرحى، والنتائج كانت إيجابية بعد الجهود الطبية الجبارة التي بُذلت.
وقال كرجة الذي خدم في جنوب قطاع غزة، وشهد مجزرة خزاعة هناك: "إن معظم الإصابات عانت من حروق وإصابات بالصدر والبطن، وفي كثير من الحالات كانت غرف الطوارئ تتحول إلى غرف إنعاش، حيث أن بعض المرضى كانوا ينامون على الأرض لنفاذ الأسرّة، وبعض القرارات كان يجب أن تؤخذ على الفور لعدم وجود الوقت للتشخيص السليم".
قصص تؤلم القلــب.. شهادات حية من الوفد
وتحدّث كرجة عن قصتين آلمتا فيه جداً، وحفرتا في ذاكرته للأبد، الأولى حدثت لدى وصوله إلى مستشفى ناصر، سمع صوت قصف على بعد 300 متر عن المستشفى، وعند وصول الإصابات والشهداء، أخذ الطاقم الطبي بالصراخ، فاستغرب كراجة هذه الحالة، وإذ به يفاجأ بأن أحد الشهداء هو ممرض في نفس المستشفى خرج باكراً لزيارة أهله، فعاد إليه شهيداً.
أما القصة الثانية، فهي عن طفلتين من عائلة الغول وصلتا إلى المستشفى، وبعد أن استقر وضعهما، بدأت عملية البحث عن الأهل، للتعرف على أسماء الطفلتين والعائلة، وبعد ساعات وصل الخبر إليه أن جميع أفراد الأسرة استشهدوا، وبقيت هاتين الطفلتين فقط على قيد الحياة، وأعمارهما بين عامين وثلاثة، وعلموا لاحقاً أن والدهما هو الشهيد مصطفى الغول، ودوّنت أسماء الطفلتين: "بنات الشهيد مصطفى الغول" لعدم معرفة أسماء الطفلتين الحقيقية.
وتحدّث كراجة أيضاً عن نفاذ المعدات الطبية، حيث صادفتهم مشكلة في العناية المكثفة عندما وضع عدد كبير من المرضى على أجهزة التنفس الإصطناعي، حيث كان الأطباء وبمجرّد أن يشعروا أن أي مريض وضعه الصحي استقر يعطون التنفّس لمريض آخر، وفي بعض الحالات طلبوا من الإسعاف أن أي مريض يحتاج لتنفس اصطناعي يرسل إلى مستشفيات أخرى لنفاذ أسرّة التنفّس.
وأكد كراجة وجود أطباء متخصصين في الطوارئ لفرز المرضى حسب نوع الإصابة، وهذا ساعد كثيراً في تنظيم العلاج في المستشفى.
وقال كراجة: "لأن ملامح الشهداء تتغير بعد ادخالها إلى الثلاجة، ومن الخبرة المكتسبة في الحروب السابقة، أصبح الأطباء يصورون الشهيد قبل وضعه بالثلاجة لكي يتم التعرف عليه بشكل أسهل من قبل أقربائه وأصدقائه، والعديد من المرات كان التعرّف يكون عبر علامة مميزة أو الحلي أو الملابس، لتشوّه جميع ملامح الوجه جراء القصف الوحشي".
الممرضة ناصر: مؤشر"الحرب القذرة" موجود.. وثلث الإصابات من الأطفال
الممرضة المتخصصة دينا ناصر، أوضحت في حديثها كيفية التعامل مع أعداد الجرحى، أن مستشفى الشفاء الذي خدمت فيه لدى تواجدها في القطاع، عمل بطريقة الأولويات، حيث كانت الإصابات في البداية يمكن السيطرة عليها، ولكن الإصابات أخذت بالتزايد، خاصة في مجزرة الشجاعية، التي روت عنها ناصر مشاهدات زملائها في المشفى، أن الإصابات كانت تعالج في قسم الإنتظار وفي قسم العمليات وفي أي مكان مُتاح.
وأكدت ناصر، أن ثلث عدد الإصابات من الأطفال، وهذا يسمى في مؤشرات الصحة الحرب "الوسخة" والبشعة، منوّهة على ضرورة التركيز على هذا الموضوع إعلامياً لفضح ممارسات الاحتلال، عدا عن الإصابات والشهداء بين طواقم المسعفين.
وحول المعدات الطبية والنقص الكبير فيها، أفادت ناصر أن المعدات الأساسية في مستشفى الشفاء كانت متوفرة في البداية ولكنها أخذت بالنفاذ شيئاً فشيئاً، مثل قفازات العمليات والجراحة، حيث لم يُعمل بسياسة "التقنين" وحسب، بل بسياسة "بالتقطير" حسب وصفها، أما تلك الإصابات "العديدة" التي احتاجت إلى التثبيت الخارجي "المسامير الطبية"، فقد نفذت مبكرا للطلب الهائل عليها، وأيضاً إصابات الرأس التي تحتاج لمعدات خاصة كانت شحيحة أيضاً للعدد الكبير من الإصابات بالرأس.