اقتصاديون: 'أوسلو' ساهم في تطور الاقتصاد الفلسطيني لكنه تحول إلى عبء
وكالة الحرية الاخبارية - بعد عشرين عاما على إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وحكومة إسرائيل 'اتفاق أوسلو'، بملحقه الاقتصادي 'برتوكول باريس'، يرى اقتصاديون، مسؤولون ورجال أعمال وخبراء، أنه ساهم في تطور الاقتصاد الفلسطيني، خصوصا في السنوات الخمس الأولى لقيام السلطة الوطنية، لكنه لم يعد صالحا، وتحول إلى عبء، خصوصا انه اعد لمرحلة انتقالية من خمس سنوات فقط، انتهت في العام 1999، وكان يفترض أن يستعاض عنه باتفاق آخر أكثر عدالة وتكافؤا وتوازنا لتنظيم العلاقة بين السلطة/ الدولة الفلسطينية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
وكان 'الاقتصاد الفلسطيني بعد عشرين عاما على توقيع اتفاق اوسلو' عنوان حلقة جديدة نقاشات 'الطاولة المستديرة'، اليوم الاثنين، والتي ينظمها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني 'ماس' ومقره برام الله.
'اتفاق أوسلو'، وما نتج عنه من قيام أول سلطة وطنية فلسطينية، بحسب رئيس مجلس إدارة هيئة سوق رأس المال ماهر المصري، والذي شغل لعدة سنوات منصب وزير التجارة ومن ثم وزير الاقتصاد الوطني، سمح بعودة أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى وطنهم، بعد أن استقطبتهم طفرة النفط منذ سبعينيات القرن الماضي، كما سمح بتدفق رأسمال كبير جدا، خصوصا من فلسطينيي الشتات، وأنشئ العديد من المشاريع الصناعية والخدماتية.
كما طرأ تغير في الحياة الاقتصادية، حيث أنشئت صناعات وخدمات لم تكن موجودة، ساهمت في استيعاب العمالة.
وقال 'في السنوات الأولى لقيام السلطة، كانت هناك اختلافات في وجهات النظر بشان التوجه الاقتصادي، وهذا الاختلاف استغلته الجهات المانحة، فكان تطوير البنى التحتية يتم وفق أولويات المؤسسات الدولية وليس وفقا لأولويات السلطة، وقد استمر هذا لمدة 3-4 سنوات.
واعتبر المصري عام 99 والأرباع الثلاثة الأولى من العام 2000 فترة الذروة في انتعاش الاقتصاد الفلسطيني، حيث حقق تنمية حقيقية، والقطاع الخاص استوعب لأول مرة عمالة أكثر من السلطة، رفق ذلك نمو في حصة القطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16%، وتقدم كبير في قطاع الخدمات، ونشوء قطاع تكنولوجيا المعلومات، لكن القطاع الزراعي بقي متخلفا، لينقلب الأمر بدءا من العام 2000، حيث انضم قطاعا الصناعة والخدمات إلى قطاع الزراعة في اتجاهه الهبوطي.
وقال 'بات واضحا أن الوضع السياسي كان دوما الموجه الأساسي للاقتصاد، لهذا فان الهدف يجب أن يكون تمكين الفلسطيني في أرضه، وهذا يفرض على السلطة والقطاع الخاص النظر في مفاصل بروتوكول باريس، والإصرار على ذلك، كالمعابر'.
وأضاف: التركيز الآن يجب أن يكون على أولويات الصمود وليس أولويات التنمية.
بدوره، قدم رئيس ملتقى رجال الأعمال محمد نافذ الحرباوي مداخلة عرض فيها نبذة عن وضع الاقتصاد منذ العام 1967 حتى قيام السلطة، وكذلك للفترة بعد قيام السلطة، ورؤية القطاع الخاص لتصحيح الاختلالات.
وقال، إن التنمية والاقتصادية تتطلب إعادة النظر في قضايا عديدة، منها خلق بيئة استثمارية مناسبة بما تتطلبه من إصلاحات في مختلف القطاعات، والتخلص من التبعية 'شبه التامة' للاقتصاد الإسرائيلي، وتعزيز التواصل مع العالم الخارجي.
أما محسن أبو رمضان، مدير شركة الصندوق العربي للإقراض الزراعي، فقد عرض من غزة، عبر الفيديو كونفرنس، تطور الاقتصاد في القطاع منذ توقيع اتفاق اوسلو.
وقال إن محددات حركة الاقتصاد في قطاع غزة تمثلت ببروتوكول باريس الاقتصادي، والسياسة الإسرائيلية الهادفة إلى تعميق نمط الاستهلاك على حساب الإنتاج.
وأشار إلى 'نمو لافت' في العام 1999، أدى إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للقطاع إلى 1.4 مليار دولار، وخفض البطالة والفقر إلى 16% و20% على التوالي.
وأضاف أن هذا النمو استند إلى: المعونات الدولية، وتحسين الجباية، وتسهيل الحركة، وإقامة مناطق صناعية، إضافة إلى أن إنشاء السلطة أساسا ساهم في دخول عدد كبير من المواطنين إلى الوظيفة العمومية.
وكما هو الحال في الضفة الغربية، فان الاقتصاد في قطاع غزة بدأ بالتراجع منذ العام 2000، نتيجة تدمير الاحتلال للبنية التحتية، وفرض الحصار، وتوقف العديد من المشاريع الممولة من الدول المانحة، إلى أن جاء فوز حماس في انتخابات 2006، فتعمق الحصار، وجمدت المساعدات، وصولا إلى حربي 2008/2009 و2012.
وقال 'بعد العام 2007، تحول قطاع غزة إلى حالة إنسانية مطلقة، وأغلقت 70% من المنشآت أبوابها، وتراجع عدد المستخدمين في قطاع الصناعة من 55 الفا إلى 5 آلاف، والزراعة من 65 الفا إلى 25 الفا، والصيادين من 5 آلاف إلى 2500.
وأضاف: كل هذا أدى إلى زيادة المشاريع الخدمية، خصوصا بعد انتشار تجارة الأنفاق، التي شكلت محطة فارقة في بنية اقتصاد غزة، فأفرزت شريحة جديدة من رجال الأعمال، و600 مليونير، وغابت الشفافية عن إدارتها والجباية المتحصلة منها، ونشأ تداخل بين إدارتها والحكم القائم في غزة.
وقال إن الاقتصاد في قطاع غزة بعد الانقسام اتسم بالمركزية، والتداخل بين السياسة والمال، وبات ريع العملية الاقتصادية يعود إلى الجهات النافذة، وتعمقت إمكانية فصل القطاع عن الضفة الغربية، كما أعطى الانقسام فرصة للتمويل المسيس، كالتمويل القطري.
وكان مدير معهد 'ماس'، د. سمير عبد الله استهل حلقة النقاش بمداخلة أشار فيها إلى جملة من المتغيرات التي طرأت بعد توقيع اتفاق اوسلو، أبرزها قيام السلطة الوطنية، وبات للشعب الفلسطيني لأول مرة سلطة صديقة للتنمية، وان كانت بصلاحيات قليلة ومسؤوليات كبيرة وشاملة، كما تدفقت المعونات الدولية التي ارتبطت بالنجاح الجزئي لعملية السلام في البداية، وأخيرا وضع اتفاق للتعاون الاقتصادي بين السلطة وإسرائيل سمح بهامش محدود للتطور.
وقال 'الناس في العادة تضع اللوم على بروتوكول باريس في تراجع الاقتصاد، وهو اتفاق نقل العلاقة من أمر واقع إلى واقع تعاقدي.
كذلك، سمح اتفاق أوسلو بتغير آخر تمثل بتخفيف الرقابة وإدارة الاحتلال لتفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، وانتقلت معظم هذه التفاصيل إلى أيدي السلطة الوطنية.
لكن الاتفاق، بحسب عبد الله، ابقي مفاتيح أساسية للاقتصاد الفلسطيني بيد إسرائيل، أهمها المعابر، كما بقيت إسرائيل تسيطر بالكامل على المنطقة المسماة 'ج'، وتشكل 60% من مساحة الضفة الغربية فيها معظم الموارد الطبيعية كالمياه، كما أن البنية التحتية كلها مرتبطة بالموافقات الإسرائيلية، وأبقى ثلثي إيرادات السلطة بيد إسرائيل.
وقال: في المحصلة، فان نمو الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بسلوك إسرائيل حيال الاتفاقات، لهذا فان تعاونهم (الإسرائيليين) أمر ضروري لتحقيق هذا النمو.