مركز "شمس" في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة المرأة الفلسطينية… ألم لا يصمت وصمود لا ينكسر في مواجهة الاحتلال
رام الله : أكد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، أن الحديث عن مناهضة العنف ضد النساء لا يمكن أن يكون منفصلاً عن واقع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال. فبينما تحتفي دول العالم بهذه المناسبة عبر حملات وحوارات، تعيش النساء في غزة والضفة والقدس شكلاً من العنف المركب الذي يتجاوز المفاهيم الاجتماعية التقليدية، ويتحول إلى انتهاكات ممنهجة تمارسها سلطة احتلال تمتلك القوة والقرار والهيمنة على الأرض. وقال المركز أن معاناة النساء هنا ليست حدثاً عابراً، بل تجربة يومية تتقاطع فيها الحرب والحصار والاحتلال والحرمان من الحقوق الأساسية، لتجعل من تفاصيل الحياة تحدياً مستمراً للبقاء.جاء ذلك عبر بيان صحفي أصدراه المركز بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف بتاريخ 25 تشرين الثاني من كل عام، وهو يوم أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم A/RES/54/134 الذي تم اعتماده في 17 كانون الأول 1999.
كما وأدان مركز "شمس" استمرار الاحتلال في استهداف النساء الفلسطينيات بوصفه انتهاكاً مباشراً وصارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الرابعة التي تُلزم القوة القائمة بالاحتلال باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وعدم تعريضهم لأي شكل من أشكال الأذى أو العقاب الجماعي. ويؤكد المركز أن النساء يُعتبرن من الفئات التي يجب منحها حماية خاصة في أوقات النزاع، وفقاً للمادتين (27) و(30) من الاتفاقية ذاتها، بما يشمل صون كرامتهن، وضمان سلامتهن البدنية والنفسية، وتمكينهن من تلقي الرعاية الصحية من دون عوائق.
وقال مركز "شمس" أنه استناداً إلى تقارير حقوقية وطنية ، وأيضاً تقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فقد أسفر العدوان على قطاع غزة خلال عامين كاملين، من تشرين الأول 2023 وحتى خريف 2025، عن استشهاد أكثر من (33,000) امرأة وفتاة في غزة وحدها، وهو رقم يعكس حجم الانتهاكات الجسيمة الموجهة ضد الفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المواد (27) و(30) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بتوفير الحماية الخاصة للنساء. أما في الضفة الغربية بما فيها القدس، فقد وثق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان استشهاد (20) امرأة خلال الفترة الممتدة بين 7 تشرين الأول 2023 و20 تشرين الأول 2025؛ ورغم محدودية الأرقام مقارنة بغزة، فإنّها تشير إلى نمط ممنهج من الإعدامات الميدانية، والاقتحامات، وإطلاق النار على الحواجز، وهدم المنازل وهي ممارسات تلحق أذى مباشراً وغير
مباشر بالنساء وتشكل انتهاكاً صارخاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما الحق في الحياة وحرية التنقل.
وفي السياق ذاته، يشكل استشهاد (31) صحفية فلسطينية أثناء تغطيتهن للحرب على غزة دليلاً إضافياً على اتساع دائرة الاستهداف، الأمر الذي يخالف قواعد حماية الصحفيين/ات بموجب القانون الدولي الإنساني، ويؤكد الطبيعة المنهجية للاعتداء على العاملات في الإعلام. أما على صعيد الاعتقال، فما تزال (53) أسيرة فلسطينية، بينهن فتاتان قاصرتان، محتجزات في سجون الاحتلال في ظروف ترتقي إلى مستوى التعذيب وسوء المعاملة، في مخالفة صريحة لاتفاقية مناهضة التعذيب وقواعد نيلسون مانديلا.
وقال مركز "شمس"، أن المرأة في غزة لا تحتاج لمن يشرح لها معنى العنف، فهي تعيشه بشكل يومي منذ بدء الحرب. مطالباً في الوقت ذاته المجتمع الدولي بأن يرى الصورة كما هي، لا كما تُختزل في تقارير باردة. وقال المركز أن المرأة في غزة تواجه موتاً متكرراً، وتشرداً متواصلاً، وفقداناً لا ينتهي. تحاول المرأة حماية أطفالها من القصف، تأمين قدر من الطعام والماء، أو إيجاد دواء بسيط لمرض مزمن لم يعد علاجه متوفراً. البيوت تتحول إلى أكوام ركام، والعائلات تتفكك لحظة واحدة، والمرأة تُجبر على حمل عالم كامل فوق كتفيها بينما تحاول فقط أن تبقى على قيد الحياة.
وقال مركز "شمس" أن مشاهد ولادة النساء في غزة تلخص حجم المأساة نساء يلدن في الشوارع، وفي المدارس المكتظة، أو في غرف بلا كهرباء ولا أدوات طبية. بعضهن نزفن حتى الموت لأن المستشفى كان بعيداً، أو لأن الجنود منعوا مرور سيارة الإسعاف، أو لأن الممر كان مغلقاً. كل هذا يشكل، بحسب القانون الدولي الإنساني، انتهاكاً صارخاً لالتزام قوة الاحتلال بضمان الرعاية الطبية للسكان المدنيين، وخاصة الفئات الأكثر ضعفاً مثل الحوامل. فمنع الإمدادات الطبية، ومنع إدخال المساعدات أو عرقلة وصولها، لا يعد فقط حرماناً من الاحتياجات الأساسية، بل جريمة حرب بموجب المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
وشدد مركز "شمس" على أن منع إدخال المساعدات الإنسانية يشكل أحد أكثر أشكال العنف غير المرئي قسوة على النساء، لأنهن المسؤولات عن تأمين المتطلبات الأساسية لأطفالهن وللعائلة في ظل الحصار. تحتاج المرأة إلى الماء، الطعام، الفوط الصحية، الحليب، العلاج، ووسائل النظافة الشخصية وكل ذلك يتحول إلى رفاهية غير ممكنة.
وفي الضفة الغربية والقدس، فإن النساء يواجهن شكلاً مختلفاً من العنف، لكنه لا يقل قسوة. فالحواجز العسكرية تجعل الانتقال إلى العمل أو الجامعة أو المستشفى رحلة طويلة محملة بالإهانات والانتظار. بعض النساء يفقدن وظائفهن لأن الوصول إلى مكان العمل أصبح غير ممكن، وبعض الحوامل يفقدن أطفالهن على الحواجز لأن الجنود قرروا ببساطة عدم السماح لهن
بالمرور. في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يعتبر تقييد حرية الحركة دون ضرورة أمنية فعلية انتهاكاً صريحاً للحق في التنقل. ومع ذلك، يبقى هذا الانتهاك جزءاً يومياً من حياة النساء.
أما الاقتحامات الليلية، فقد أوضح مركز "شمس" أنها ليست فقط عمليات عسكرية، بل ممارسات تقتحم أمن المرأة وحياتها الخاصة وفضاءها الأكثر حميمية. حين يدخل الجنود المنزل، ينهار شعور المرأة بالأمان أمام أطفالها. الصراخ، التفتيش الجسدي، تقييد الأهل، اعتقال أحد أفراد الأسرة هذه اللحظات تبقى محفورة في الذاكرة. المرأة هنا لا تكون شاهدة فقط، بل ضحية مباشرة للعنف النفسي والجسدي. وهذا يرقى، بحسب اتفاقيات جنيف، إلى معاملة مهينة ومخالفة للقانون الدولي.
وأشار مركز "شمس" إلى أن اعتقال النساء يشكل طبقة إضافية من الألم. فالسجن ليس فقط حرماناً من الحرية، بل محاولة للنيل من دورها الأسري والاجتماعي وخلق فراغ يؤذي العائلة بأكملها. كثيرات تحدثن عن التحقيقات القاسية، الحرمان من العلاج، والتضييق النفسي. وفي حالات كثيرة، يبدو الاعتقال رسالة تخويف أكثر منه إجراءً أمنياً. هذه الانتهاكات تتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب، ومع قواعد نيلسون مانديلا لمعاملة السجناء، ومع التزامات القوة القائمة بالاحتلال بحماية النساء لا استهدافهن.
وعلى الجهة المقابلة فإن هدم المنازل من قبل جيش الاحتلال يعتبر أحد أشكال العنف الأشد تأثيراً على النساء، لأن البيت بالنسبة لهن هو مكان الاستقرار، الذاكرة، والملاذ. حين يهدم المنزل، تجبر المرأة على البدء من جديد، ليس مرة واحدة، بل مرات عدة. عليها أن تعيد بناء عالمها الخاص، أن تعثر على مكان يؤوي أطفالها، وأن تخفي ضعفها كي تقود عائلتها نحو تماسك هشّ. هذه الجريمة، التي يبررها الاحتلال تحت ذرائع أمنية، تعدّ عقاباً جماعياً محظوراً بموجب القانون الدولي.
وفي هذا اليوم، دعا مركز شمس العالم إلى التوقف عن التعامل مع العنف ضد المرأة كموضوع مناسب للفعاليات أكثر مما هو مأساة تحتاج إلى حلول حقيقية. لا تريد النساء هنا حملات توعية فحسب، بل حماية ملموسة، وقفاً للقصف، إنهاءً للحصار، وضماناً لحقهن في الحياة والصحة والتنقل والكرامة. فالنصوص القانونية، مهما كانت متقدمة، لا معنى لها إذا كانت النساء يُقتلن قبل أن يصل إليهن أثر تلك الحماية المفترضة.
وشدد مركز "شمس" على أن إنهاء العنف ضد المرأة في فلسطين يبدأ أولاً بإنهاء الانتهاكات الهيكلية التي تُمارس ضدهن من قتل،تهجير، تقييد الحركة، الاعتقال، الحرمان من العلاج، هدم المنازل، ومنع المساعدات. هذه ليست أحداثاً فردية، بل نمط متكرر يعكس سياسة ممنهجة تتناقض مع مبادئ القانون الدولي. ومن هنا، يشدد مركز شمس على ضرورة مساءلة مرتكبي
هذه الانتهاكات، واحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية سيداو، والعهدين الدوليين، وكل ما نصت عليه القواعد الإنسانية التي وضعت أصلاً لحماية المدنيين في أوقات النزاع.
ودعا مركز "شمس" المؤسسات الدولية الإنسانية والحقوقية بضرورة وضع النساء الفلسطينيات في قلب أولويات التدخل العاجل، عبر ضمان إدخال المساعدات الطبية والغذائية دون قيود، وتأمين ممرات إنسانية للحوامل والمريضات، وتوثيق الانتهاكات بشكل منهجي، وتوفير برامج دعم نفسي وقانوني للمتضررات، والضغط من أجل حماية النساء من الاعتقال وسوء المعاملة والعنف على الحواجز. كما يطالب مركز شمس المجتمع الدولي بأن يتوقف عن التعامل مع معاناة النساء باعتبارها "تكلفة جانبية للنزاع"، وأن يعترف بأن استمرار الاحتلال هو البيئة الأكبر والأكثر إنتاجاً للعنف ضد المرأة.
وطالب مركز "شمس" في بيانه الصحفي بضرورة المراجعة الجدية لتقاعس الأسرة الدولية عن حماية النساء الفلسطينيات من العنف البنيوي الذي تفرضه سياسات الاحتلال. بما فيها الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي، وآليات الإجراءات الخاصة، والمؤسسات الإنسانية الدولية بأن تتعامل مع الانتهاكات بحق النساء الفلسطينيات باعتبارها جرائم موثقة تستوجب تحقيقاً وملاحقة، لا باعتبارها وقائع "مؤسفة" تمرّ بلا تبعات. كما طالب المركز الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية في ضمان احترام الاتفاقيات واحترامها في كل الأحوال، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لمحاسبة المسؤولين عن الاستهداف المتعمد للنساء، ومنع العلاج، وعرقلة المساعدات، واقتحام البيوت، والاعتقال التعسفي، وهدم المنازل.