مركز “شمس” في الذكرى السنوية لإعلان الاستقلال: فلسطين بين اعتراف العالم وغياب الإرادة السياسية لإنهاء الاحتلال
قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” إن إعلان الاستقلال الفلسطيني الصادر في الخامس عشر من تشرين الثاني 1988 محطة قانونية–سياسية فارقة في التاريخ المعاصر، فهو لم يكن مجرد إعلان رمزي أو خطاب سياسي، بل وثيقة ذات حجية قانونية وسياسية تستند إلى قواعد القانون الدولي العام وقرارات الشرعية الدولية. فقد أعاد الإعلان التأكيد على أن الشعب الفلسطيني صاحب حق أصيل وغير قابل للتصرف في تقرير مصيره، وفي العودة، وفي إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على أرضه التاريخية، وهو حق تقرّه المادة الأولى المشتركة في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وتؤكده مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.
وقال مركز “شمس” في بيان له، إن إعلان الاستقلال جاء في سياق سياسي بالغ التعقيد، إذ جاء ليملأ الفراغ الذي خلقه استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي وسياساته القائمة على التوسع الاستيطاني وضم الأراضي وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه السيادية. وبذلك، شكل الإعلان فعلاً سيادياً مبكراً، مارس فيه الشعب الفلسطيني—من خلال ممثله الشرعي والوحيد—حقه في التعبير عن وجوده السياسي والقانوني كأمة تسعى إلى الاستقلال والتحرر من الهيمنة الاستعمارية، مستنداً إلى إرادة شعبية جامعة وإلى منظومة القانون الدولي الإنساني التي تحرم الاستيلاء على الأرض بالقوة.كما جاء الإعلان كترجمة عملية لمبدأ الشرعية الدولية، وأكد، ضمناً وصراحة، على الشخصية القانونية للشعب الفلسطيني. وبإعلان قيام دولة فلسطين، انتقل الفلسطينيون من موقع “شعب تحت الاحتلال” فقط، إلى موقع “دولة مُعلنة” معترف بها تدريجياً من المجتمع الدولي، ما منحها مكانة قانونية وأهلية للانضمام إلى المعاهدات الدولية وممارسة العمل الدبلوماسي والحقوق السيادية.وعليه، فإن إعلان الاستقلال الفلسطيني ليس مجرد وثيقة سياسية، بل هو إعلان سيادة يستند إلى الشرعية التاريخية والقانونية والدولية، ويعبر عن إرادة شعب لا يزال يكافح، رغم الاحتلال، لتجسيد دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتجسيد حقه غير القابل للمصادرة في الحرية، والاستقلال، وتقرير المصير.
وقال مركز “شمس” إن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني هو أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وقد نصت عليه بوضوح مواثيق الأمم المتحدة، والعهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يشدد مركز “شمس” أن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، ليس محل تفاوض أو مساومة، بل هو حق ثابت أقرته قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن،بما فيها والقرار (3236) الذي اعترف صراحة بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، إضافة إلى القرارات اللاحقة التي جددت التأكيد على هذه الحقوق.
وأكد مركز “شمس” أن اعتراف (159) دولة بدولة فلسطين يشكل ركيزة سياسية وقانونية قوية، ويعكس الشرعية الدولية الواسعة للمطلب الفلسطيني. كما أن قبول فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة عام 2012، وانضمامها إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، هو تعبير إضافي عن رسوخ مكانتها القانونية الدولية. ومع ذلك، يشدد مركز “شمس” على أن هذا الاعتراف السياسي والقانوني يجب أن ينتقل إلى حيز التطبيق العملي على الأرض، عبر مواقف سياسية واضحة من المجتمع الدولي، ترتقي إلى مستوى التحديات التي يفرضها استمرار الاحتلال، وتواصل الاستيطان، وتهويد القدس، واستمرار الحصار على غزة، واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني.
وطالب مركز “شمس” المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، وأن يوقف سياسة الاكتفاء بالإدانات اللفظية أو البيانات الدبلوماسية التي لا تحدِث تغييراً حقيقياً في الواقع. فالشعب الفلسطيني، الذي قدم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، والذي يواجه يومياً منظومة استعمارية استيطانية عنصرية، يستحق من العالم خطوات عملية تضمن حمايته أولاً، وتكفل تطبيق القانون الدولي ثانياً. ويؤكد مركز شمس أن الصمت الدولي، أو الاكتفاء بتجديد الدعوات إلى “عملية السلام” دون تحديد مرجعية واضحة أو ضمانات ملزمة، يعد تواطؤاً مع استمرار الاحتلال، وتقويضاً لأسس العدالة الدولية.
وشدد مركز “شمس” على أن إقامة الدولة الفلسطينية ليست منّة من أحد، بل هي استحقاق قانوني وسياسي وأخلاقي. كما أن الشعب الفلسطيني مارس فعل السيادة من خلال بناء المؤسسات، وتطوير منظومته القانونية والقضائية والإدارية، والانضمام إلى الهيئات الدولية، وإثبات قدرته على إدارة دولة كاملة الأركان. ومن هنا، يطالب مركز “شمس” الدول التي تعترف بدولة فلسطين بأن تترجم هذا الاعتراف إلى سياسات عملية، تشمل الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ووقف التعامل مع المستوطنات، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية، وفرض عقوبات على منظومة الاحتلال والاستيطان، انسجامًا مع قواعد القانون الدولي الإنساني.
وقال مركز “شمس” إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي هو العقبة الأكبر أمام تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض. فالاستيطان يتوسع، والقدس تتعرض لعملية تهويد ممنهجة، وقطاع غزة يعاني العدوان والحصار ، والضفة الغربية تواجه سياسة العقاب الجماعي، والاعتقالات اليومية، والقيود المشددة على الحركة، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي.
كما وطالب مركز “شمس” القوى السياسية الفلسطينية بإنجاز المصالحة الوطنية فوراً، باعتبارها شرطاً أساسياً لمواجهة التحديات الوطنية، ولتعزيز القدرة على استثمار الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين.
كما وأكد مركز “شمس” أن الوحدة الوطنية هي حجر الأساس في بناء الدولة، ولا يمكن تصور إقامة دولة مستقلة في ظل الانقسام. ويدعو المركز إلى العودة إلى الشعب عبر انتخابات شاملة، بما يعيد تجديد الشرعيات، ويعزز ثقة المواطنين بمؤسساتهم، ويعيد الاعتبار للفعل السياسي الديمقراطي.
وشدد مركز “شمس” كذلك على ضرورة حماية الحيّز المدني، وضمان حرية الرأي والتعبير، واحترام عمل منظمات المجتمع المدني، باعتبارها شريكاً رئيسياً في بناء الدولة وفي حماية منظومة الحقوق والحريات. كما يدعو المركز إلى تعزيز مشاركة النساء والشباب في الحياة العامة ومواقع صنع القرار، التزاماً بروح إعلان الاستقلال القائم على المساواة وعدم التمييز.
وأكد مركز “شمس” أن مسار الحرية والاستقلال ليس مساراً سياسياً فحسب، بل هو مشروع حضاري وثقافي، يقوم على وعي جماعي بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى الاستمرار في النضال السلمي والقانوني والدبلوماسي، وعلى تعزيز صمود المواطنين في القدس والمناطق المهمشة والمهددة بالاستيطان.
وختم مركز “شمس” بيانه بالتأكيد على أن الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكاً بحقوقه الوطنية الثابتة التي لا تسقط بالتقادم، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة ، تلك الحقوق المنسجمة مع الإجماع العالمي المتنامي الذي يرى أن الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني ليست فقط التزاماً أخلاقياً يقع على عاتق الدول، بل شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار والسلم الإقليمي والدولي، وأن غياب الحل العادل وبقاء الاحتلال وسياساته الاستيطانية والتمييزية يشكل تهديداً حقيقياً ودائماً للنظام الدولي القائم على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.