في ذكراه- "شاهر الحسيني".. مَليك الإذاعة والجليس الحَسن والزوج القدوة
تقرير نداء شنان
"والله لتفتقديني".. جملةٌ كانت لا تترك شفاه شاهر الحسيني "أبو مشهور" في كل مرة كان يجلس فيها على كرسيٍّ في المطبخ، يمسك قلمه وورقته طوال فترة عمل زوجته في المطبخ، يكتب إلى جانبها، كانت أم مشهور حين تريد أن تنظف مكانه تخبره أن ينتقل ليجلس في مكانٍ آخر، وهو بفراسةٍ تشبه ما عاش عليه يقول لها "والله لتفتقديني"، وهذا ما حدث، تقول أم مشهور بأن المنزل دون أبو مشهور، موحش لا يشبه المنازل، وبعد 45 عامًا على زواجهما، تكتشف أخيرًا بأن المنزل لا يصير بيتًا إلا بوجود الأحباء.. بوجود أبو مشهور.
- "شاهر الحسيني"
"كل صفاته كانت حلوة"، بعفوية القول وصدق المقولة، هكذا ابتدأت "أم مشهور" زوجة الصحفي الراحل "شاهر الحسيني" حديثها عند سؤالها عن صفات زوجها، تختزل كل ما كان عليه الإنسان "أبو مشهور" بأنه حُلوّ، ومن النبالة أن يوجز المحب عند ذكر حبيبه، فها هي أم مشهور بعد مرور عام على وفاة رفيقها تبكي بعد جملة واحدة.
تضيف أم مشهور على خصال زوجها بأنه كان دمث الأخلاق، لا يصمت على الخطأ، يعرف الصواب ويُعرّفه، حبيب للجميع كان يحفظ من القرآن، يحب القراءة والكتب، غنّى في شبابه وأقام حفلاتٍ خاصة به، كان يحب الطرب القديم، وكانت أغنيته المفضلة، على حجارة منزل والده الراحل يغنيها.. "دار يا داري يا دار..راحوا فين حبايب الدار".
"عضلة قلبه كانت ضعيفة، بس إحنا ما كنّا نصدق قد ما قلبه كبير" التعب المقرون بالعطاء كفعلٍ طبيعيّ، وكأنها السجية الوحيدة لـ"شاهر" أن يملك قلبا كبيرًا يتسع للأهل والأصدقاء والأحباب وحتى الغرباء، قلب يتسع للكتب وللطرب ولأم كلثوم وللشعراء ولفلسطين، فيكتبها في برامجه لتكون تربيتة على كتف العائدين من العمل مساءً وعناقًا لقلوب عائلة بكاملها التفت حول المذياع لتسمعه وتفتح قلبها لأبو مشهور، كما أراد وكما أطلق على برنامجه المسائي، "افتح قلبك لأبو مشهور".
- فراغ الأماكن
"منذ وفاته لم أقم بتشغيل الراديو، ولو لمرة واحدة" رغم أن الراديو باللفظ التقنيّ تحوي عالمًا متنوعًا من البرامج الصوتية والبيانات المتجددة، لكنه لأم مشهور كان عالمًا يقتصر على شاهر الحسيني وحضوره، وكأن الأشياء لديها تكسب تعريفها عند اقترانها به، وفقدت جل الأشياء مسماها بعد رحيله.
محمد بن شاهر الحسيني الفتى الذي اخذ على عاتقه مسير الأب، تقول والدته "أم مشهور": "كان بده يدرس أدب إنجليزي، بس بعد وفاة أبوه قرر يدرس صحافة". في إعادة تشكيل للأمل يصنع محمد نفسه، يُخرج كتب والده من مكتبته ليقرأها ليُشبهه، يلتحق بالجامعة ليدرس شغف والده، وبمجرد أنه أراد أن يكون كما كان والده، فقد صار ما أراد.
- الحسيني الرفيق
"برنامجه كان سهرة، من أروع السهرات على مستوى كل إذاعات الوطن، هو الوحيد إللي أعطيته ضوء أخضر في برنامجه لكل ما يفعله" هذا قول أيمن القواسمي، مؤسس شبكة الحرية الإعلامية، الذي عمل مع شاهر الحسيني لفترة طويلة، كتفا إلى كتف في سراء الحياة وضرائها، لم يكن الحسيني مقدم برامج فقط، بل كان المدير العام للشبكة، وكان يقدم برنامجًا آخر أسماه، "على الحلوة والمرة"، رغم كونه لم يدرس الصحافة، تعلمها ثم امتهنها بسجيته التي عُرف بها دائمًا أن يُحب الحياة ويريدها فيعقد العزم على أن يعيشها كما يريد.
"الي معاه فلوس على إيده الناس بتبوس
والي معهوش فلوس على رقبته الناس بتدوس
الله يلعن أبو الفلوس الي سوت من الخسيس راجل"
أبيات كتبها الحسيني يقول "الشيخ نبيل صلاح" أصدق رفاق الحسيني ": كان يقول أبيات الشعر هذه في كل جلسة تجمعه بنا، كان يُحب الشعراء ويكتب الشعر ويحفظه، كل سهراتنا المسائية مع الأصدقاء الكُثُر جمعنا هو لها، وبعد أن ارتحل، سرقتنا مشاغل الحياة ووضع البلاد الراهن، ولم نجد أبو مشهور ليعيد جمعنا".
- أبو مشهور، حيّ..
شاهر الذي خطفته الحياة شيئًا فشيئًا، منذ 2010 حتى وفاته لم يشهد يومًا بلا معاناة، قسطرة وشبكية إزالة أعضاء وغيرها من العمليات الطبية المتعددة والمتتالية، يملك سجل حياة يزخر بالمعاناة ولكن بشكلٍ مألوف يشبه ما يكون عليه الفلسطينيّ يملك سجلًا بالفرح، سجل اقتلعه من يد الحياة عنوة ليكون ما كان عليه، ويدفع الناس للكتابة عنه في كل وقت، ليكون كما كنيته تمامًا "أبو مشهور".