سلطات الاحتلال تمنع عن المقدسيين رخص البناء وتتوسع في هدم منازلهم
قال تقرير أعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، أن سياسة هدم منازل المواطنين في مدينة القدس المحتلة وغيرها من مناطق الضفة الغربية تعود الى واجهة الأحداث، ولكن بقوة دفع أكبر تحت ضغط أطراف الائتلاف الحاكم في إسرائيل وخاصة حزبي "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش و"عظمة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، ومشاركة فعالة من أطراف متنفذة في حزب الليكود، وتحالف "لوبي أرض إسرائيل" في الكنيست الإسرائيلية.
وأضاف المكتب في تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر، اليوم السبت، أن سلطات الاحتلال أخطرت يوم الأحد الماضي سكان قرية النعمان "خلة النعمان"، بهدم جميع منازل القرية، تمهيدا لضمها إلى حدود مدينة القدس المحتلة، وتتكون من 45 منزلا مهددة بالهدم بذريعة عدم الترخيص، بعد أن اقتحمت بلدية الاحتلال في القدس القرية وقاموا بتوزيع إخطارات الهدم.
وأوضح رئيس المجلس المحلي في القرية جمال الدرعاوي، أن قرارات الهدم جاءت بذريعة عدم الترخيص، علما بأن القرية مبنية قبل عام 1948 على مساحة 1500 دونم، وبعدد سكان يصل إلى نحو 150 نسمة بمنازل مشيدة من الحجر القديم.
وتقع قرية خلة النعمان في الطرف الجنوبي الشرقي لمدينة القدس، على بعد مئات الأمتار شمال مدينة بيت ساحور، سكنها أوائل الفلسطينيين في الثلاثينات من القرن الماضي.
وفي عام 1967 بعد احتلال الضفة الغربية، سجلت اسرائيل أهالي القرية كسكان في الضفة الغربية ولم تصدر لهم بطاقات هوية إسرائيلية، كما هو الحال مع معظم الفلسطينيين سكان تلك المناطق في القدس ومحيطها التي ضمتها إسرائيل فيما بعد، واستمرت في التعامل معهم باعتبارهم "مقيمين غير قانونيين".
ومنعت سلطات الاحتلال على أساس هذا الموقف، سكان القرية من التواجد في الأحياء والقرى التي ضمت الى القدس، ورفضت بلدية القدس والحالة هذه تزويدهم بالخدمات الضرورية مثل المياه، شبكات الصرف الصحي وتفريغ القمامة، كما امتنعت عن إقامة خرائط وخطط بنى تحتية وهيكلية للقرية، الأمر الذي حال بين السكان وبين استصدار تصاريح للبناء، وقد استمر هذا الوضع في حياة سكان القرية لسنوات طويلة.
وجاء بناء جدار الفصل العنصري الذي بنته قوات الاحتلال بعد انتفاضة الأقصى على طول الحدود الجنوبية للمدينة، ليفاقم من تردي الأوضاع في هذه القرية، التي عزلها الجدار عن مدينة بيت ساحور، وباقي قرى وبلدات الضفة الغربية في مسعى لتهجير سكانها.
ولا تقف قرية خلة النعمان هذه الأيام وحيدة في مواجهة مخططات الهدم والتهجير والتطهير العرقي، فإلى جانبها يتهدد أهالي بلدة سلوان نفس المخطط.
واعتصم يوم الأحد الماضي المئات من أهالي البلدة في وقفة أمام البلدية في القدس، احتجاجا على سياسة هدم البيوت وأوامر الإخلاء التي تنفذها قوات الاحتلال بحق أهالي البلدة، وشارك فيه نشطاء من اليسار الإسرائيلي، ورفعوا يافطات تندد بعمليات هدم المنازل وتطالب بوقفها.
بلدة سلوان ليست كقرية خلة النعمان، فهي بلدة كبيرة يعيش فيها نحو 59 ألف مقدسي، يحيط خطر التهجير القسري الراهن بنحو 7500 من المواطنين، يعيشون في 6 أحياء.
هؤلاء مهددون إما بهدم منازلهم بحجة البناء دون ترخيص، أو بتهجيرهم لمصلحة الجمعيات الاستعمارية الإسرائيلية.
وبحسب محافظة القدس، فإن سلطات الاحتلال كانت قد نفذت 320 عملية هدم، بينها أكثر من 87 في بلدة سلوان بين تشرين الأول/ اكتوبر 2023 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وأن هناك أكثر من 30 ألف عقار في القدس الشرقية، مهدد بالهدم، ما سيؤدي إلى تشريد وإلحاق خسائر كبيرة بحياة عشرات آلاف المقدسيين.
وتفيد تقديرات محافظة القدس، بوجود 22 ألف منزل ومنشأة في القدس الشرقية، منها 7 آلاف في بلدة سلوان تدعي البلدية، أو ما تسمى بـ "اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم"، أنها غير قانونية، وأن عددا من المنازل والمنشآت جرى هدمها دون إخطار، أو دون انتظار قرار "قضائي" بشأن الهدم.
وبينت المحافظة أن بلدة سلوان خاصة تتعرض لاستهداف منهجي وعلى وجه الخصوص أحياء البستان ووادي الربابة ووادي قدوم لقربها من المسجد الأقصى، وذلك لأجل تنفيذ مخططات الاحتلال لإنشاء ما يسمى بـ "الحدائق التوراتية"، وما يسمى "حديقة الملك"، على أنقاض المنازل وعلى أراضي أصحاب الحي.
وترتفع إخطارات الهدم، التي تخطط سلطات وبلدية الاحتلال لتنفيذها من عام لآخر، فقبل 7 تشرين الأور/ اكتوبر 2023، كان هناك 25 ألف إخطار هدم في القدس، أما بعد ذلك التاريخ فزاد العدد الكلي للإخطارات بنحو 7000 إخطار، فأصبحت 32 ألف إخطار، وذلك بعد أن تسلم ايتمار بن غفير كامل الملف.
وبحسب التقرير فإن العام 2023 شهد تنفيذ عمليات هدم لـنحو 150 مبنى سكنيا، 70 منها كان هدما ذاتيا، فيما شهد عام 2022، هدم 143 مسكنا، منها 71 ذاتيا، وشهد عام 2021 نحو 181 عملية هدم، 97 منها هدما ذاتيا.
وتشير معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، التي أكدت أن سلطات الاحتلال هدمت 215 مبنى في القدس الشرقية خلال العام 2024، وقد تضرر أكثر من 40 ألف مواطن.
واستنادا إلى تلك المعطيات فإن أعلى عمليات الهدم كانت في بلدة سلوان، حيث تم هدم (41) مبنى، ثم جبل المكبر (34)، والولجة (27)، والعيساوية (24)، وبيت حنينا (17)، والطور (11)، وصور باهر (10)، ورأس العامود (9)، وشعفاط (9)، ووادي الجوز (8)، وحي الثوري (5)، ومخيم شعفاط (4)، وبيت صفافا (3)، والزعيم (3)، وباب الساهرة (2) وبئر عونة (2)، والبلدة القديمة (2)، والقنبر (2)، أما باقي عمليات الهدم فتتوزع في جبع والشيخ جراح وأم طوبا.
وتشير المعطيات إلى أن هذا العدد يرتفع إلى 402 إذا ما تم احتساب منطقة محافظة القدس، ويتضح أن أكثر المناطق التي شهدت عمليات هدم هي عناتا، حيث تم هدم (47) مبنى، وحزما (23)، وجنوب عناتا "وعر البيك" (18)، وصور باهر (15)، وجبع "تجمع بدوي" (14)، وشمال عناتا (14)، والزعيم (14)، وبدو (11)، ورافات (11)، والنبي صموئيل (10)، وقلنديا (10)، وبيت عنان (7)، والجيب (2)، وبيت حنينا "ضاحية البريد" (2)، والرام (1)، ومخيم قلنديا (1).
ولم تقتصر هذه السياسة الهدامة على مدينة القدس ومحيطها، بل هي امتدت على مساحة واسعة لتغطي معظم مناطق الضفة الغربية، في مؤشر واضح على النوايا المبيته لمستقبل الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال.
ويجري دفع عشرات آلاف الوحدات الاستعمارية الجديدة في دوائر سلطات الاحتلال، لتعميق الاستعمار، وتوسيع رقعته الجغرافية، فيما تتهدد إخطارات وعمليات الهدم حياة المواطنين الفلسطينيين.
ووفقا لـ "أوتشا"، هدم جيش الاحتلال 1058 منشأة فلسطينية في المنطقة "ج" خلال 2024، منها 192 منزلا مأهولا، وأدت عمليات الهدم تلك إلى تهجير 860 مواطنا، وتضرر نحو 38 ألفا آخرين خلال الفترة نفسها.
وتدرك حكومة الاحتلال أن سياسة الهدم والتهجير والتطهير العرقي تتنافى مع القانون الدولي والشرعية الدولية، ولكنها تمضي فيها على مسمع ومرآى المجتمع الدولي، في ظل عجزه عن وقفها، حيث تنص المادة 25/1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11/1 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 على أن "هدم المنازل يُعَدّ خرقاً واضحاً لإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تكفل حق الفرد في السكن الملائم".
كما تحظر المادة 53 من الاتفاقية تدمير دولة الاحتلال أي أموال ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد أو الجماعات.
كما يعتبر القانون الجنائي الدولي، هدم المنازل على نطاق واسع عملا غير مشروع، ومخالفا للقانون الدولي، فحسب المادة 8/2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن "تدمير الممتلكات على نطاق واسع من دون توافر ضرورة عسكرية تبرر ذلك يعتبر جريمة حرب".
على صعيد آخر، أقرت الكنيست الإسرائيلية مبدئياً إلغاء القانون الأردني المعمول به في الضفة الغربية بشأن تأجير وبيع العقارات للأجانب، على الرغم من أن الكنيست لا تملك صلاحية تخولها فرض قوانين على أراض محتلة، فهذا القانون يضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية التي تمنع التصرف بأي طريقة في أراض تحت الاحتلال.
وقد أيد مشروع القانون 58 عضوا بينما عارضه 33 عضوا، وستتم إحالته إلى لجنة الكنيست، التي ستحدد موعدا للتصويت عليه لاحقاً بـ 3 قراءات.
وكانت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع صادقت الأسبوع الماضي على مشروع قانون يسمح للمستعمرين بشراء أراض في الضفة الغربية المحتلة، بشكل يتناقض مع القانون الدولي، ويفتح الأبواب واسعة أمام عمليات تزوير عقود شراء أراضي وأحالت التصويت عليه الى الهيئة العامة للكنيست وهو مشروع القانون، قدمه عضو الكنيست موشيه سولومون، من "حزب الصهيونية الدينية"، باسم "لوبي أرض إسرائيل" في الكنيست، ووقع عليه 40 عضو في اللوبي.
وجاء في مشروع القانون أن "بإمكان أي شخص شراء حقوق في الأراضي في منطقة "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) كما في أي مكان آخر".
وكانت اللجنة الوزارية للتشريع قد بحثت في مشروع القانون هذا، في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولكنها لم تقرر تحويله إلى الكنيست للتصويت عليه في حينه.
وجرى هذا التشريع رغم أنه في الوضع الحالي ليس بإمكان المستعمرين شراء أراض في الضفة الغربية بصورة مباشرة، إلا من خلال شركات مسجلة في سجل الشركات لدى سلطات الاحتلال، وصدور تصريح لصفقة كهذه، وذلك بعد أصدر القائد العسكري للضفة أمرا عسكريا، في العام 1971، يسمح بصفقات غير مباشرة كهذه.
وقد حذرت حركة "السلام الآن" الاسرائيلية من أن مشروع القانون المذكور هو "خطوة ضم أخرى بمبادرة اليمين الخلاصي"، ويسعى مشروع القانون إلى السماح للمستعمرين بشراء أراض من دون أي رقابة في جميع أنحاء الضفة.
وأضافت الحركة أن "مشروع القانون يمنح مجموعة صغيرة من المستعمرين المتطرفين إمكانية شراء أراض وبعد ذلك إقامة مستعمرات فيها، سواء كان ذلك في قلب الخليل أو في أي مكان آخر.
عدا ذلك، لا توجد للكنيست صلاحية لسن قوانين في منطقة ليست خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بينما محاولة لفرض قانون تسنه على منطقة محتلة، يعني الضم وانتهاك سافر للقانون الدولي".
وأفادت "السلام الآن" في أحدث تقاريرها، أن "مجلس التخطيط الأعلى" لدى سلطات الاحتلال، التي يديرها وزير المالية والاستيطان في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، قرر يوم الأربعاء الماضي التقدم بـمخطط لبناء 682 وحدة استعمارية في ثلاث مستعمرات هي: حلميش المقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة بواقع (531 وحدة)، ومتساد المقامة على أراضي محافظة الخليل بواقع (126 وحدة)، وبدوئيل المقامة على أراضي سلفيت بواقع (25).
وفي حالة حلميش (نفيه تسوف)، فإن الخطة تشير الى بناء 531 وحدة استعمارية وهذا يعني مضاعفة عدد المستعمرين فيها.
وأضافت الحركة للتذكير، أنه منذ بداية ديسمبر 2024، عقدت مناقشات أسبوعية للتقدم بوحدات استعمارية في المستعمرات.
ويختلف عدد الوحدات التي تم التقدم بها كل أسبوع، لكن التقدم بـ 682 وحدة في مناقشة 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، هو رقم قياسي لأسبوع واحد، وأنه منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية تم التقدم بأرقام قياسية من وحدات الاستعمار في الضفة الغربية.