"نيويورك تايمز" تكشف عن تفاصيل الساعات الأخيرة لـ"بشار الأسد" في قصر الرئاسة
سلط تقرير خاص نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على الأيام الأخيرة لبشار الأسد في السلطة، قبيل سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على العاصمة السورية دمشق. التقرير يكشف عن تفاصيل مثيرة حول كيفية خداع الأسد لمساعديه في القصر الرئاسي قبل مغادرته البلاد بشكل مفاجئ، هاربًا إلى موسكو.
وبحسب التقرير، في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2024، ومع تقدم فصائل المعارضة نحو دمشق، كانت الأجواء في القصر الرئاسي تتسم بترقب مشوب بالحذر. كان موظفو الأسد يستعدون لبث خطاب يُعلن فيه عن خطة لتقاسم السلطة مع المعارضة السياسية، في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من 13 عامًا. وقد اجتمع المساعدون لوضع اللمسات الأخيرة على الخطاب، بينما تم تجهيز الكاميرات والإضاءة لبثه على التلفزيون الرسمي.
وفق التقرير، لكن ما لم يعرفه هؤلاء المساعدون هو أن الأسد كان يخطط للهرب. فقد أخبره مساعدوه بتعزيز الدفاعات في العاصمة، وكانوا يعتقدون أن القصر محصن جيدًا. في تلك الأثناء، كان الأسد يظهر هدوءًا مصطنعًا أمام موظفيه، ويطمئنهم بأن كل شيء تحت السيطرة. ومع حلول الليل، بدأ الأسد في تنفيذ خطته السرية؛ حيث غادر القصر متسللاً عبر أحد المخارج، وتوجه إلى قاعدة عسكرية روسية في شمال سوريا. ومن هناك، ركب طائرة روسية إلى موسكو.
وأوضح التقرير أنه بينما كان الأسد في طريقه إلى موسكو، فر شقيقه ماهر الأسد مع مجموعة من الضباط عبر الصحراء إلى العراق، تاركًا قصره فارغًا. وبعد ساعات من مغادرة الأسد، وصل المساعدون إلى القصر في انتظار الخطاب المنتظر، لكنهم تفاجؤوا بعدم وصوله. وعندما تبين لهم أن الرئيس قد هرب، بدأت حالة من الذعر، وتركوا القصر مفتوحًا أمام المسلحين الذين اقتحموا المكان بعد ساعات.
وأشار التقرير إلى أنه منذ الأيام التي سبقت مغادرته، كان الأسد يحاول الحصول على مساعدات عسكرية من حلفائه، مثل روسيا وإيران والعراق. ورغم ذلك، كانت محاولاته تواجه بالرفض. في الوقت نفسه، كانت استخبارات النظام ترصد انهيار قواته في عدة مناطق، بما في ذلك سقوط مدينة حلب في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وهو ما شكل ضربة قاسية للنظام. بعد سقوط حلب، عاد الأسد إلى دمشق ليجد موظفيه في حالة من الارتباك، لكنهم كانوا لا يزالون يعتقدون أن العاصمة آمنة.
وبيّن التقرير أنه مع تقدم المسلحين نحو مدينة حمص، أرسل الأسد نداءات عاجلة إلى إيران وروسيا طلبًا للدعم، لكن كان من الواضح أن حلفاءه بدأوا في فقدان الأمل في بقائه في السلطة. في طهران، عقد المسؤولون الإيرانيون اجتماعات طارئة، لكنهم توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الأسد لن يستطيع البقاء رئيسًا. وأصبح من الواضح أن إيران بدأت في سحب موظفيها الدبلوماسيين والعسكريين من دمشق، في خطوة كانت تعكس عمق الأزمة التي يمر بها النظام.
في الوقت نفسه، كانت فصائل المعارضة تواصل تقدمها السريع في مناطق عديدة، بما في ذلك السيطرة على مدينة حماة، التي كانت بمثابة معقل مهم للنظام. هذه التطورات السريعة أدت إلى انهيار معنويات الجيش السوري، حيث ترك الجنود مواقعهم، وتركوا وراءهم معدات وأسلحة استولى عليها المسلحون.
وتابع التقرير: بحلول السابع من ديسمبر، كان الوضع في دمشق يزداد تدهورًا. بدأ السكان بتخزين المواد الغذائية في مواجهة التوقعات باندلاع معركة شوارع عنيفة. وفي القصر الرئاسي، استمر موظفو الأسد في الانتظار المترقب للخطاب الذي لم يكن له وجود. ومع اقتراب فصائل المعارضة من حمص، بدأ الشعور بالذعر ينتقل إلى العاصمة. ومع ذلك، بقي فريق الأسد في مكاتبهم، يحاولون إدارة أزمة لم يدركوا مدى خطورتها. وفي تلك اللحظة، أدرك أحد مساعدي الأسد أن الرئيس قد هرب وأن الخطاب المفترض كان مجرد خدعة لتشتيت الانتباه، مما جعلهم يعتقدون أن النظام يواجه انهيارًا حتميًا.
وبيّن التقرير أن الأحداث تسارعت بشكل مفاجئ في الساعات الأخيرة. فقد استيقظ الجيران في حي المالكي الراقي، حيث كان الأسد يقيم مع عائلته، على صرخات حراسه وهم يصرخون للهرب. وعندما دخلت فصائل المعارضة مدينة حمص، بدأ الجميع يدرك أن سقوط النظام أصبح أمرًا وشيكًا. مع الساعات التي مرت، تزايدت المخاوف من أن العاصمة ستسقط في أي لحظة، وبدأت مخاوف الحراس والمساعدين تتصاعد.
وختم التقرير: في النهاية، ترك بشار الأسد قصره دون أي إعلان رسمي، تاركًا وراءه موظفيه في حالة من الذهول. ورغم محاولاته المتعددة للحصول على الدعم، كانت ساعة الحقيقة قد حانت بالنسبة له، ولجأ إلى موسكو تاركًا خلفه مشهدًا من الفوضى والارتباك. هذا الهروب المفاجئ شكّل نهاية غير متوقعة لمسار حكم دام أكثر من عقدين، وكشف عن تدهور كبير في النظام السوري الذي بدأ يفقد سيطرته على البلاد. مغادرة الأسد البلاد في تلك اللحظات كانت بمثابة تصرف أخير لإحباط التوقعات، بينما بدأت المعارضة تتقدم نحو دمشق في الوقت الذي كان فيه القصر الرئاسي فارغًا.