(بادر دون أن تسأل)

عندما تسمع الكلمات غير المفهومة, ويصاحبها بداخلك ذلك الشعور الغريب, وعندما تخط الأقلام كلماتها المتقطعة والمحشوة بالكثير من المعاني, وعندما تجد أحدهم ينظر كثيرا لساعته ويده ترتجف, وعندما تلاحظ سكوت غريب لكثيري الحديث,  يصاحبه نظرات شاردة وحديث مشتت وتصرفاتغير مفهومة وغيوم سوداء تستوطن أسفل عيناه وخطى مترددة وإجابات مختصرة, وحظور غائب (لا تسأل لماذا), وعندما تشاهد ملامح متعبة ودموع مختبئة وأيدي تناجي السماء (بادر).

(بادر دون أن تسأل)

حرب متواصلة منذ عام وقرابة شهر, وآثارها كانت كثيرة لا تعد ولا تحصى, خيم ظلامها على كل محافظات الوطن وبكل مناحيه, وغيرت الكثير من الوقائع, ولم يعد شيء كما كان.

قتل وتدمير واعتقالات واقتحامات مستمرة وإغلاقات حدث ولا حرج, ومواطن بات يسكن في غرفة مظلمة وكأنة مكبل بعدة أحبال, أصبح السؤال يطرح في كل زاوية, والحناجر تستغيث في كل بقعة من هذه البلاد, والخطى  مستمرة في البحث عن سبيل للعيش وتأمين لو القليل من التزاماته الأساسية, والأبواب غالبيتها مغلقة, واذا وجد المواطن المكلوم بابا واحدا للأسف يكن ضمن شروط وياليتها منصفة, فهذه الحرب وهذا القليل من آثارها على المجتمع .

لم نقرأ يوما في كتب التاريخ أن الحرب كانت عادلة أو تستثني شيئ , كانت دائما الحرب قاتلة لكل نبض حولها, ولكننا فلسطينيون نحيا بالأمل, ما كسرنا يوما ولن نسمح باليأس أن يستوطن بداخلنا أبدا.

انحني كل شيئ في هذه البلاد وما زالنا كياننا الفلسطيني كما عاهدناه سابقا بخير, ذلك الكيان الصابر والمرابط, ولكننا في النهاية طاقات بشرية لها قدرات معينة ومتسع محدود.

منذ بداية هذه الحرب المجنونة هاجرت كل معاني الصباح, وأخرست أصوات الفرح, وبات الصمت يصاحبه التعب ويلقي بظله على  كل مكان, وكل ما تسمعه في أنحاء الوطن صوت آهات ونحيب وداع  وحاجة ومحاولات مرهقة.

(لا تسأل بل إسرق)

 نعم اسرق حاجة هذا المكلوم المتعب دون أن تسأله وقم بتلبيتها دون احراجه بطريقة أو بأخرى, خذ مجدك في بناء عنان لم يريد الانهزام يوما ولكنها ظروف رمت بثقلها على أكتافه وكانت أقوى منه.

نعم إنه الصبر جميل, والسعي أجمل, والعطاء أثمن وأبقى, وما أجمل أن تكون ذلك الجندي المجهول خليفة الله في الأرض, تقوم بمهمتك التي وجدت من أجلها في هذه الدنيا, وما أروع أن تقضي ساعات عمرك في سبيل العطاء والله لن يضيع أجر المحسنين.

هناك خلف حطيان هذه المنازل قصص وحكايات مختلفة, ولكل منها  خصوصيتها, وهناك من يظهر وكأنه في أحسن حال ولكنها بداخله مئة حاجة و ألف سؤال, وهناك الكثير من الآلام التي تنتظر مسكناتها وعلاجها, والكثير من الأطفال التي تبكي حاجياتها, والأحلام والطلاب والأقساط , والكثير من علامات السؤال والتعجب والفواصل تحتاج نقاطها.

وهناك رب كريم في السماء, وخلفاء له في الأرض, وأنت يا خليفة الله جاء الوقت المناسب لتبحر في مجدك, وتبادر حتى ولو بشق تمرة, افعل ما بوسعك وقدم, وأغلق فمك لا تتحدث ولا تعلق ولا تسأل حتى, فالحديث قبلك كان كثيرا والوعود أكثر والواقع يا خليفة الله لا يتقن تحويل الكلمات إلى فعل, فكن أنت بطل هذه المرحلة.