النص العربي الكامل لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في العدل الدولية
تبدأ محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، يومي الحادي عشر والثاني عشر من كانون ثان/ يناير الجاري، بمناقشة الدعوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي تتهمه بارتكاب جريمة “إبادة جماعية” ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وتقع مرافعة جنوب أفريقيا المدعمة بالوثائق في 84 صفحة باللغة الإنجليزية، وتقدم دلائل إدانة للاحتلال بالسعي للإبادة الجماعية.
وتنشر صحيفة “عربي21” الإلكترونية النص الكامل للدعوى باللغة العربية، لتضع تفاصيل الأدلة على الجرائم الإسرائيلية بين يدي القارئ العربي.
وفيما يلي النص، من ترجمة عربي21:
إجراءات تقديم الطلب
إلى أمين محكمة العدل الدولية، الموقّع أدناه، المفوّض حسب الأصول من قبل حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، نؤكد ما يلي:
وفقا للمادتين 36 ([1]) و40 من النظام الأساسي للمحكمة والمادة 38 من لائحة المحكمة، يشرّفني أن أقدم هذا الطلب لرفع دعوى باسم جمهورية جنوب أفريقيا (“جنوب أفريقيا”) ضد دولة إسرائيل (“إسرائيل”). عملاً بالمادة 41 من النظام الأساسي، يتضمن الطلب التماسًا بأن تتّخذ المحكمة تدابير مؤقّتة لحماية الحقوق المشار إليها هنا من الفقدان الوشيك الذي لا يُعوّض.
I. مقدمة
1. يتعلق هذا الطلب بالأعمال التي تم التهديد بها أو تبنيها أو التغاضي عنها أو اتخاذها من قبل حكومة إسرائيل وجيشها ضد الشعب الفلالتي سطيني – وهو مجموعة قومية وعرقيّة وإثنية متميزة – في أعقاب الهجمات التي وقعت في إسرائيل يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. تدين جنوب أفريقيا بشكل لا لبس فيه جميع انتهاكات القانون الدولي من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الاستهداف المباشر للمدنيين الإسرائيليين وغيرهم من المواطنين واحتجاز الرهائن من قبل حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى. لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة ما، مهما كانت خطورته – حتى الهجوم الذي ينطوي على جرائم فظيعة – أن يوفّر أي مبرر محتمل أو دفاع عن انتهاكات اتفاقية سنة 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (“اتفاقية الإبادة الجماعية” أو”الاتفاقية”)، سواءً قانونيًا أو أخلاقيًا. وتمثّل الأفعال والتجاوزات التي ارتكبتها إسرائيل والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا إبادة جماعية لأنها تهدف إلى القضاء على جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية، وهي جزء من المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة (“الفلسطينيون في غزة”). وتشمل الأعمال المذكورة قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والعقلي الخطير بهم، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تصفيتهم جسديًا. وتُنسب جميع هذه الأفعال إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب الإبادة الجماعية في انتهاك واضح لاتفاقية الإبادة الجماعية، وقد انتهكت أيضًا ولا تزال تنتهك التزاماتها الأساسية الأخرى بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك الفشل في منع الإبادة الجماعية أو معاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم.
2. خلال إعداد هذا الطلب، أولت جنوب أفريقيا اهتمامًا وثيقًا لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية وتفسيرها وتطبيقها في السنوات التالية لدخولها حيز النفاذ في 12 كانون الثاني/ يناير سنة 1951، فضلاً عن الفقه القضائي لهذه المحكمة وغيرها من المحاكم والهيئات القضائية الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية. وتدرك جنوب أفريقيا تمامًا حقيقة أن أعمال الإبادة الجماعية تختلف عن الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي التي تجيزها أو ترتكبها الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في غزة – بما في ذلك توجيه الهجمات عمدًا ضد السكان المدنيين والأهداف المدنية والمباني المخصصة للعبادة والتعليم والفنون والعلوم والآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن إيواء المرضى والجرحى؛ وتعذيب وتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب؛ وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية – على الرغم من وجود علاقة وثيقة في كثير من الأحيان بين جميع هذه الأفعال. وتدرك جنوب أفريقيا أيضًا أن أعمال الإبادة الجماعية تشكل حتما جزءًا من سلسلة متصلة – كما اعترف بذلك رافائيل ليمكين الذي صاغ مصطلح “الإبادة الجماعية” بنفسه ([2]). ولهذا السبب، من المهم وضع أعمال الإبادة الجماعية في السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال فترة الفصل العنصري الذي دام 75 سنة، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 سنة، وحصارها لغزة المستمر منذ 16 سنة، بما في ذلك الانتهاكات الخطيرة والمستمرة للقانون الدولي المرتبطة به، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة ([3]) وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. مع ذلك، عند الإشارة في هذا الطلب إلى الأفعال والتجاوزات من جانب إسرائيل التي يمكن أن ترقى إلى مستوى انتهاكات أخرى للقانون الدولي، فإن قضية جنوب أفريقيا تتمحور حول حقيقة أن تلك الأفعال والتجاوزات لها طابع الإبادة الجماعية، لأنها ارتُكبت بقصد محدّد عن سابق إصرار (ضرر مقصود) لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية الأوسع.
3. تدرك جنوب أفريقيا جيدًا حجم المسؤولية الخاصة برفع دعوى ضد إسرائيل بسبب انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية. مع ذلك، تدرك جنوب أفريقيا تمام الإدراك التزامها – باعتبارها دولةً طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية – بمنع الإبادة الجماعية. وأفعال إسرائيل وتجاوزاتها فيما يتعلق بالفلسطينيين تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية. هذه هي وجهة النظر المشتركة للعديد من الدول الأخرى الأطراف في الاتفاقية، بما في ذلك دولة فلسطين نفسها التي دعت “زعماء العالم” إلى “تحمّل مسؤولية وقف الإبادة الجماعية ضد شعبنا”. ([4]) دقّ خبراء الأمم المتحدة مرارا وتكرارا “ناقوس الخطر” لأكثر من 10 أسابيع من أنه “بالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها القادة السياسيون الإسرائيليون وحلفاؤهم، التي صاحبها هجوم عسكري في غزة وتصعيد الاعتقالات والقتل في الضفة الغربية”، هناك “خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. ([5]) كما أعرب خبراء الأمم المتحدة عن “قلقهم العميق” إزاء “فشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين، ودعوا “المجتمع الدولي” إلى “بذل قصارى جهده لوضع حد فوريّ لخطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. ([6]) ودعت لجنة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تعمل بموجب “إجراء الإنذار المبكر والإجراءات العاجلة”، “جميع الدول الأطراف” في اتفاقية الإبادة الجماعية إلى “الاحترام الكامل” لـ “التزامها بمنع الإبادة الجماعية”. ([7]) ينبغي النظر في هذا الطلب المقدم من جنوب أفريقيا والتماسها اتخاذ تدابير مؤقتة في هذا السياق وفي ضوء تلك الدعوات. وقد اُعِدّ على خلفية هدف السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا المتمثل في تحقيق سلام دائم بين إسرائيل ودولة فلسطين، على أساس وجود دولتين جنبًا إلى جنب داخل حدود معترف بها دوليًا، بناء على خطّ الرابع من حزيران/يونيو 1967، قبل اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، تماشيًا مع جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولي.
4. تُثبت الحقائق التي استندت إليها جنوب أفريقيا في هذا الطلب والتي سيتم التطرق إليها بالتفصيل في هذه الإجراءات أن – على خلفية الفصل العنصري، والطرد، والتطهير العرقي، والضم، والاحتلال، والتمييز، وحرمان الشعب الفلسطيني المستمر من حق تقرير المصير – إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، فشلت في منع الإبادة الجماعية وأخفقت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية. والأخطر من ذلك أن إسرائيل انخرطت في أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهي تتورط فيها وتخاطر بارتكاب المزيد منها. وتشمل هذه الأفعال قتلهم، والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير لهم، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة. إن التصريحات المتكررة لممثلي الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك على أعلى المستويات، من قبل الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، تعبّر عن نية الإبادة الجماعية. ويمكن الاستدلال على هذه النية بشكل مناسب من طبيعة وسير العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، مع الأخذ بعين الاعتبار، ضمن أمور أخرى، فشل إسرائيل في توفير أو ضمان الغذاء الأساسي والمياه والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية للشعب الفلسطيني المطوّق والمحاصر، مما دفعه إلى حافة المجاعة. ويتضح ذلك أيضًا من طبيعة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة ونطاقها ومداها، والتي تضمنت قصفًا متواصلًا لأكثر من 11 أسبوعًا لأحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم، مما أدى إلى إجلاء 1.9 مليون شخص أو 85 بالمئة من سكان غزة الذين يخلون منازلهم ويُقتادون إلى مناطق أصغر من أي وقت مضى، دون مأوى مناسب، حيث يستمرون في التعرض للهجوم والقتل والأذى. لقد قتلت إسرائيل حتى الآن ما يزيد عن 21.110 فلسطينيًا، من بينهم أكثر من 7.729 طفلًا – بينما أكثر من 7.780 آخرين في عداد المفقودين يُفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض – وأكثر من 55.243 فلسطينيًا جريحًا، متسببةً في أضرار جسدية وعقلية شديدة. كما دمرت إسرائيل مساحات شاسعة من غزة، بما في ذلك أحياء بأكملها، وألحقت الضرر أو دمرت ما يزيد عن 355 ألف منزل فلسطيني، إلى جانب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمخابز والمدارس والجامعات والشركات ودور العبادة والمقابر والمنشآت الثقافية والترفيهية والمواقع الأثرية، ومباني البلديات والمحاكم، والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك مرافق المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء، بينما تواصل هجومًا لا هوادة فيه على النظام الطبي ونظام الرعاية الصحية الفلسطيني. لقد حوّلت إسرائيل – ولا تزال – غزة إلى أنقاض، وتقتل وتؤذي وتدمر شعبها وتخلق ظروف حياة تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة.
5. تُقدّم جنوب أفريقيا، آخذةً بعين الاعتبار طبيعة القواعد الآمرة لحظر الإبادة الجماعية وطابع الالتزامات التي تقع على عاتق الدول تجاه الجميع وعلى الجميع تجاه الأطراف بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، هذا الطلب لإثبات مسؤولية إسرائيل عن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، وتحميلها المسؤولية الكاملة بموجب القانون الدولي عن تلك الانتهاكات وأن تلجأ – على الفور – إلى هذه المحكمة لضمان الحماية العاجلة والكاملة الممكنة للفلسطينيين في غزة الذين ما زالوا معرّضين لخطر جسيم ومباشر باستمرار أعمال الإبادة الجماعية والمتزايدة.
6. في ظل الحالة الطارئة الاستثنائية، تسعى جنوب أفريقيا إلى عقد جلسة استماع عاجلة لالتماسها الخاص لاتخاذ التدابير المؤقتة. بالإضافة إلى ذلك، وعملاً بالمادة 74 (4) من لائحة المحكمة، تطلب جنوب أفريقيا من رئيس المحكمة أن يحمي الشعب الفلسطيني في غزة بدعوة إسرائيل إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات العسكرية التي تشكل أو تؤدي إلى انتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية ريثما تُعقد هذه الجلسة، لتمكين أي أمر قد تصدره المحكمة بشأن طلب اتخاذ التدابير المؤقتة من أن يكون له آثاره المناسبة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي للمحكمة أن تأمر إسرائيل بالكف عن القتل والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير للشعب الفلسطيني في غزة، والكف عن فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وإلغاء السياسات والممارسات ذات الصلة، بما في ذلك ما يتعلق بتقييد المساعدات وإصدار توجيهات الإخلاء.
7. إدراكًا منها لدور المحكمة الهام وممارسة مسؤوليتها الجسيمة في الظروف التي حدثت فيها أعمال الإبادة الجماعية التي تشتكي منها جنوب أفريقيا مؤخرًا وما زالت مستمرة – ولم تخضع لحكم قضائي أو لتقصي حقائق تفصيلي – يُقدّم طلب جنوب أفريقيا والتماسها اتخاذ تدابير مؤقّتة وصفا واقعيا أكثر تفصيلاً مما قد يكون معتادًا. وتعتمد هذه الرواية في جزء كبير منها على البيانات والتقارير الصادرة عن رؤساء وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى روايات شهود عيان من غزة – بما في ذلك من الصحفيين الفلسطينيين على الأرض – في ظل مواصلة إسرائيل تقييد الوصول إلى غزة من قبل الصحفيين والمحققين وفرق تقصي الحقائق الدولية. مع ذلك، لا يعتمد الطلب ولا التماس اتخاذ التدابير المؤقتة على قرار المحكمة بشأن كل حادث أو شكوى فردية مشار إليها في هذه الوثيقة. والجدير بالذكر، كما توضح السوابق القضائية للمحكمة، أن “ما يتعين على المحكمة القيام به في مرحلة إصدار أمر بشأن التدابير المؤقتة هو تحديد ما إذا كانت بعض الأفعال المزعومة على الأقل تندرج ضمن أحكام الاتفاقية”. ([8]) ومن الواضح أن بعض الأفعال المزعومة من قبل جنوب أفريقيا يمكن أن تندرج ضمن تلك الأحكام.
اختصاص المحكمة
8. جنوب أفريقيا وإسرائيل عضوان في الأمم المتحدة، وبالتالي هما ملزمتان بالنظام الأساسي للمحكمة، بما في ذلك المادة 36 التي تنص على أن اختصاص المحكمة “يشمل جميع المسائل المنصوص عليها خصيصا في المعاهدات والاتفاقيات النافذة”.
9. جنوب أفريقيا وإسرائيل طرفان أيضًا في اتفاقية الإبادة الجماعية. وقّعت إسرائيل على اتفاقية الإبادة الجماعية في 17 آب/ أغسطس 1949 وأودعت صك التصديق عليها في التاسع من آذار/ مارس 1950، وبذلك أصبحت طرفا عندما دخلت اتفاقية الإبادة الجماعية حيز التنفيذ في 12 كانون الثاني/ يناير 1951. وأودعت جنوب أفريقيا صك انضمامها في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1998. وأصبحت ساريةً بين الطرفين في اليوم التسعين بعد ذلك عملًا بالمادة الثالثة عشرة من الاتفاقية.
10. تنص المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على ما يلي:
“تُعرض المنازعات بين الأطراف المتعاقدة المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها، بما في ذلك تلك المتعلقة بمسؤولية دولة ما عن الإبادة الجماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، إلى محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من أطراف النزاع”.
11. لم تبدِ جنوب أفريقيا ولا إسرائيل أي تحفّظ على المادة التاسعة.
12. أعربت جنوب أفريقيا بشكل متكرر وعاجل عن قلقها وإدانتها لأفعال إسرائيل وإخلالاتها التي تشكل أساس هذا الطلب. وقد أوضحت جنوب أفريقيا والدول الأطراف الأخرى في اتفاقية الإبادة الجماعية، على وجه الخصوص، أن تصرفات إسرائيل في غزة تشكل إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. على سبيل المثال، وصف رؤساء الجزائر([9]) وبوليفيا([10]) والبرازيل([11]) وكولومبيا([12]) وكوبا([13]) وإيران([14]) وتركيا([15]) وفنزويلا([16]) تصرفات إسرائيل بأنها إبادة جماعية، كما فعل الرئيس الفلسطيني([17]). وأشار مسؤولون حكوميون وممثلون من بنغلادش([18]) ومصر([19]) وهندوراس([20]) والعراق([21]) والأردن([22]) وليبيا([23]) وماليزيا([24]) وناميبيا([25]) وباكستان([26]) وسوريا([27]) وتونس([28])، إلى الإبادة الجماعية أو خطر حدوثها في غزة، كما فعل رؤساء الدول ومسؤولو الدول من غير الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك قطر([29]) وموريتانيا([30]). وفي حديثه نيابة عن “المجموعة العربية” في الجلسة عدد 9498 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2023، قبل تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على وقف إطلاق النار، ذكر ممثل مصر أن “القتلى المدنيين في غزة” فضحوا كذبة أن الحرب ضد جماعة مسلحة بل هي عقاب جماعي وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. وأشار إلى “التدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية واستهداف موظفي الأمم المتحدة”، وذكر أن “التهجير القسري لـ 85 بالمئة من سكان غزة، الذين يعيشون في ظروف صعبة، يمثل محاولة للقضاء على الشعب الفلسطيني”([31]).
13. بالنظر إلى أن حظر الإبادة الجماعية له طابع القاعدة القطعية وأن الالتزامات بموجب الاتفاقية تقع على عاتق الدول تجاه الجميع وعلى الجميع تجاه الأطراف([32])، فقد تم توعية إسرائيل تماما بالمخاوف الخطيرة التي أعرب عنها المجتمع الدولي، من قبل الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وجنوب أفريقيا على وجه الخصوص، فيما يتعلق بفشل إسرائيل في وقف الإبادة الجماعية ومنعها والمعاقبة عليها. وقد أعربت جنوب أفريقيا عن مخاوفها، من ضمن أمور أخرى، على النحو التالي:
— في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصدرت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا بيانًا يدعو المجتمع الدولي إلى محاسبة إسرائيل على انتهاكات القانون الدولي. وحذّر البيان من أن “جريمة الإبادة الجماعية، للأسف تلوح في الأفق بشكل كبير” في غزة، مذكرا بأن “الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وصف الهجمات على غزة بأنها إبادة جماعية”، وأن وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، في خطابها أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، “ذكّرت المجتمع الدولي أيضًا بأن لا يقف مكتوف الأيدي بينما تتكشف إبادة جماعية أخرى”([33]).
— في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، حذّر وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا، في كلمته أمام الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا، من أن “جريمة الإبادة الجماعية تلوح للأسف في الأفق بشكل كبير في الوضع الحالي في غزة”، مذكرًا بأنه “في سنة 1994، وقعت إبادة جماعية في قارة أفريقيا حيث شاهد معظم العالم مذبحة الأبرياء”، مشددًا على أن جنوب أفريقيا لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح بحدوث ذلك مرة أخرى([34]).
— في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، اتخذ المدير العام لوزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا خطوات دبلوماسية رسمية نحو سفير دولة إسرائيل في جنوب إفريقيا، وأبلغه أنه بينما “تدين جنوب إفريقيا” الهجمات على المدنيين من قبل حماس” التي “يجب التحقيق فيها بتهمة ارتكاب جرائم حرب”، كان رد إسرائيل غير قانوني”، وأن جنوب أفريقيا “تريد من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع قيادة إسرائيل” في جرائم تشمل الإبادة الجماعية([35]).
— في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، خلال اجتماع في المقر الرئاسي مع قيادة مجلس النواب اليهودي في جنوب إفريقيا، الذي دعوا فيه، من بين أمور أخرى، إلى إعادة فتح سفارة جنوب إفريقيا في إسرائيل، أدان رئيس جنوب إفريقيا، السيد سيريل رامافوسا، “الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد شعب فلسطين، بما في ذلك النساء والأطفال، من خلال العقاب الجماعي والقصف المستمر لغزة”([36]).
— في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أعلن رئيس جنوب أفريقيا، خلال زيارة إلى قطر، أن جنوب أفريقيا تحيل الوضع في دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، معربا عن امتعاضه “لما يحدث حاليا في غزة، الذي تحولت الآن إلى معسكر اعتقال حيث تحدث الإبادة الجماعية”([37]).
— في وقت لاحق من يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قامت سفارة جنوب أفريقيا في لاهاي، نيابة عن جنوب أفريقيا، بالاشتراك مع ثلاث دول أخرى أطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية – وهي بنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر – وجيبوتي، بإحالة الوضع في دولة فلسطين إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وطلبت من المدعي العام أن يحقق بقوة في الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، على النحو المنصوص عليه في المادة 6 (أ) و(ب) و(ج) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (“نظام روما الأساسي”)([38]).
— في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في خطاب أمام الاجتماع المشترك الاستثنائي لمجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) حثّ قادة وزعماء أعضاء البريكس المدعوين بشأن الوضع في الشرق الأوسط على معالجة “مسألة ذات أهمية عالمية خطيرة” في الشرق الأوسط، وأكد رئيس جنوب أفريقيا أن “تعمّد حرمان سكان غزة من الدواء والوقود والغذاء والماء هو بمثابة إبادة جماعية”([39]).
— في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، صرحت سفيرة جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة، في كلمتها أمام الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة – التي كانت إسرائيل ممثلة فيها – أن “الأحداث التي وقعت في الأسابيع الستة الماضية في غزة أظهرت أن إسرائيل تتصرف بشكل يتعارض مع التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وشددت على أنه “بوصفنا دولة عضوًا في الأمم المتحدة، وبسبب تجربة جنوب أفريقيا المؤلمة في الماضي مع نظام الفصل العنصري، فإن هذا يدفعنا، كدول أعضاء، لاتخاذ إجراءات وفقًا للقانون الدولي”([40]).
– في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أرسلت جنوب أفريقيا مذكرة شفهية إلى سفارة إسرائيل في جنوب أفريقيا، أعربت فيها عن مخاوفها بشأن “التقارير الموثوقة التي تفيد بأن الأعمال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية أو الجرائم ذات الصلة على النحو المحدد في اتفاقية سنة 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي ارتُكبت، وربما لا تزال، في سياق الصراع” في غزة. وأشارت المذكرة الشفوية إلى أن جنوب أفريقيا، باعتبارها دولة طرفًا في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ملزمةٌ بموجب المعاهدة بمنع حدوث الإبادة الجماعية، وبالتالي تدعو إسرائيل التي هي أيضًا دولة طرف في الاتفاقية بالوقف الفوري للأعمال العدائية في غزة والامتناع عن السلوك الذي يشكل أو لا يمنع حدوث انتهاكات لالتزاماتها بموجب الاتفاقية. كما دعت جنوب أفريقيا، “التي انزعجت من خطاب المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم”، إسرائيل إلى “منع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية”. وقد ساعد هذا في التواصل مباشرة مع إسرائيل بشأن ادعاءات جنوب أفريقيا فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وانتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وتفاصيلها([41]).
14. لم ترد إسرائيل بشكل مباشر على المذكرة الشفوية التي أرسلتها جنوب أفريقيا بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023. ومع ذلك، رفضت إسرائيل علنًا أي إشارة إلى أنها انتهكت القانون الدولي في حملتها العسكرية في غزة. ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل رفضت التأكيد بأن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة تفي “بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية” وأن هدفها “ليس مجرد قتل الأبرياء وتدمير سبل عيشهم فقط، بل أيضًا جهد منهجي لإفراغ غزة من شعبها”([42]) ووصفتها بأنها “شائنة وكاذبة”. وتنفي إسرائيل أن سلوكها في غزة ينتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، مؤكدة أن “اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لا أساس له من الصحة على الإطلاق فحسب من حيث الواقع والقانون، بل إنه “أمر بغيض أخلاقيا” و”معادي للسامية”([43]). علاوة على ذلك، انخرطت إسرائيل، ولا تزال، في أعمال وتجاوزات ضد الشعب الفلسطيني في غزة، كما تم التأكيد على أنها إبادة جماعية، ودحضت، من خلال موقفها وسلوكها، أي إشارة إلى أن أعمالها في غزة مقيدة بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وبالفعل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2023: “نحن لن نتوقف. إننا نواصل القتال، وسنعمّق القتال في الأيام المقبلة، وستكون هذه معركة طويلة ولن تنتهي قريبا”([44]). وبالتالي، إن سلوك إسرائيل يعمل على تأكيد الخلاف بين الطرفين. لم تتراجع جنوب أفريقيا عن موقفها المتمثل في أنها مسؤولة كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية عن العمل على منع الإبادة الجماعية أو خطر حدوثها في غزة.
15. وفقًا للسوابق القضائية المعمول بها في المحكمة، فإن النزاع هو “خلاف حول نقطة قانونية أو حقيقة، أو تضارب في وجهات النظر أو المصالح القانونية” بين الأطراف([45]).لايلزم مثل هذا الخلاف أو “المعارضة الإيجابية لادعاء أحد الطرفين من قبل الطرف الآخر بالضرورة ذكره صراحةً بكل معنى الكلمة… يمكن تحديد موقف أحد الطرفين عن طريق الاستدلال، مهما كانت وجهة النظر المعلنة لهذا الطرف”([46]).
16. من الواضح أن هناك نزاع بين إسرائيل وجنوب أفريقيا فيما يتعلق بتفسير وتطبيق اتفاقية الإبادة الجماعية، ويتعلق بامتثال جنوب أفريقيا لالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وامتثال إسرائيل لالتزاماتها بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها – بما في ذلك التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية – وتقديم التعويضات لضحاياها وتقديم الضمانات بعدم تكرارها. وبالنظر إلى أن ادعاء جنوب أفريقيا يتعلق بالتزاماتها كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية بالعمل على منع الإبادة الجماعية – التي تؤدي إليها أفعال إسرائيل وانتهاكاتها – فمن الواضح أن جنوب أفريقيا لها موقف فيما يتعلق بذلك. علاوة على ذلك، بما أنه “يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وليس فقط الدولة المتضررة بشكل خاص، أن تحتج بمسؤولية دولة طرف أخرى بهدف التحقق من الفشل المزعوم في الامتثال لالتزامات ذات حجية مطلقة تجاه كافة الأطراف، ووضع حد لتلك الانتهاكات ذلك”، تتمتع جنوب أفريقيا “بحق بديهي” لتقديم نزاعها مع إسرائيل إلى المحكمة “على أساس الانتهاكات المزعومة للالتزامات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”([47]).
17. لذلك، عملاً بالمادة 36 (1) من النظام الأساسي للمحكمة والمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، تتمتع المحكمة بالولاية القضائية للنظر في الدعاوى المقدمة في هذا الطلب من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
3. الحقائق
أ. مقدمة
18. منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت إسرائيل هجوما عسكرياً واسع النطاق برا وجوا وبحراً على قطاع غزة (“غزة”)، وهو شريط ضيق من الأراضي تبلغ مساحتها حوالي 365 كيلومتراً مربعا – وتصنف من من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم([48]).
تعرضت غزة – التي يسكنها حوالي 2.3 مليون شخص، نصفهم تقريبًا من الأطفال – من قبل إسرائيل لما وُصف بأنه من إحدى “أعنف حملات القصف التقليدي” في التاريخ للحرب الحديثة([49]).بحلول 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحده، تشير التقديرات أنه تم إسقاط 6000 قنبلة أسبوعيًا على هذا القطاع الصغير([50]). وبعد شهرين، أحدثت الهجمات العسكرية الإسرائيلية “دمارًا أكبر من حجم الدمار الذي لحق بمدينة حلب السورية بين سنتي 2012 و2016، ومدينة ماريوبول في أوكرانيا، أو قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية ([51]).
إن الدمار الذي أحدثته إسرائيل بلغ من الشدة حداً جعل “غزة تبدو في الوقت الراهن بلون مختلف عند مشاهدتها من الفضاء. باتت تتخذ نسيجا مختلف”([52]). كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة مؤرخة في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2023 موجهة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة([53])، التي أحاطت الجمعية العامة للأمم المتحدة “علمًا” بها بشكل صريح في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة دإط-10/22 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023 بشأن حماية المدنيين والوفاء بالالتزامات القانونية والإنسانية([54]):
“يواجه المدنيون في جميع أنحاء غزة خطراً جسيماً. ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، قُتل ما يزيد على 15 ألف شخص، حسبما ورد، وكان أكثر من 40 في المائة منهم من الأطفال. وأصيب آلاف آخرون. وقد تم تدمير أكثر من نصف المنازل. وقد تم تهجير حوالي 80% من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قسراً إلى مناطق أصغر مساحة. وقد لجأ أكثر من 1.1 مليون شخص إلى مرافق الأونروا في جميع أنحاء غزة، مما أدى إلى خلق ظروف مكتظة ومهينة وغير صحية. وآخرون ليس لديهم مكان يحتمون به ويجدون أنفسهم في الشارع. تجعل مخلفات الحرب القابلة للانفجار المناطق غير صالحة للسكن. بالتالي، لا توجد حماية فعالة للمدنيين.
انهار نظام الرعاية الصحية في غزة. تحولت المستشفيات إلى ساحات قتال وبات هناك 14 مستشفى فقط من إجمالي 36 منشأة تعمل بشكل جزئي. ويعمل المستشفيان الرئيسيان في جنوب غزة بثلاثة أضعاف طاقتهما السريرية، كما أن الإمدادات الأساسية والوقود ينفد منهما. كما أنها تؤوي آلاف النازحين. وفي ظل هذه الظروف، سيموت المزيد من الأشخاص دون علاج في الأيام والأسابيع المقبلة.
لا يوجد مكان آمن في غزة. وسط القصف المستمر من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، وبدون مأوى أو الضروريات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، أتوقع أن ينهار النظام العام تمامًا قريبًا بسبب الظروف البائسة، مما يجعل المساعدة الإنسانية حتى المحدودة مستحيلة. ويمكن أن يزداد الوضع سوءا، من خلال انتشار الأمراض الوبائية وزيادة الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى البلدان المجاورة.
وبينما يستمر تسليم الإمدادات عبر معبر رفح، فإن الكميات غير كافية وقد تقلصت منذ انتهاء الهدنة. نحن ببساطة غير قادرين على الوصول إلى المحتاجين داخل غزة. . . إننا نواجه خطرا شديدا يتمثل في انهيار النظام الإنساني. إن الوضع يتدهور بسرعة ليتحول إلى كارثة ذات آثار محتملة لا رجعة فيها بالنسبة للفلسطينيين ككل وللسلام والأمن في المنطقة. ويجب تجنب مثل هذه النتيجة بأي ثمن([55])”.
19. ومنذ كتابة تلك الرسالة، ارتفعت الأرقام بشكل أكثر وضوحا: فقد قُتل ما لا يقل عن 110 21 فلسطينيا في غزة وأصيب أكثر من 243 55 فلسطينيا آخرين، والعديد منهم في حالة خطيرة([56]). يشمل عدد القتلى أكثر من 7729 طفلاً([57])، لا يشمل ذلك 4700 امرأة وطفل ما زالوا في عداد المفقودين، ويفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض([58]). وقد تم القضاء على عائلات بأكملها متعددة الأجيال بالكامل. تعرض أكثر من 355,000 منزل، أي ما يعادل أكثر من 60 بالمائة من المساكن في غزة، للأضرار أو للتدمير([59]).
وقد نزح 1.9 مليون فلسطيني – حوالي 85 بالمائة من إجمالي السكان – داخليًا([60]). فر الكثيرون من شمال القطاع إلى الجنوب، بعد أن أمرتهم إسرائيل بالقيام بذلك، ليتم قصفهم مرة أخرى في الجنوب، ويُطلب منهم الفرار مرة أخرى إلى الجنوب أو الجنوب الغربي، حيث يضطرون إلى العيش في مخيمات مؤقتة تفتقر إلى المياه والصرف صحي أو مرافق أخرى([61]). قصفت إسرائيل مستشفيات غزة وحاصرتها، ولم يعد قيد الخدمة سوى 13 مستشفى من إجمالي 36 مستشفى بشكل جزئي، ولم يتبق أي مستشفى يعمل بكامل طاقته في شمال غزة ([62]). انهار نظام الرعاية الصحية في غزة تقريبًا، وقد أوردت العديد من التقارير عن إجراء عمليات، بما في ذلك عمليات بتر الأطراف والعمليات القيصرية، دون مخدر([63]). وهناك نسبة كبيرة من الجرحى والمرضى غير قادرين على الحصول على أي رعاية كافية([64]). وتنتشر الأمراض المعدية والوبائية بين السكان الفلسطينيين النازحين، ويحذر الخبراء من خطر الإصابة بالتهاب السحايا والكوليرا وغيرها من الأوبئة ([65]). تتعرض غزة لخطر المجاعة الوشيك، في حين أن نسبة الأسر المتأثرة بانعدام الأمن الغذائي الحاد هي الأكبر على الإطلاق وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل لمراحل الأمن الغذائي ([66]). ويحذر الخبراء من أن الوفيات الصامتة والبطيئة الناجمة عن الجوع والعطش خطر تتجاوز تلك الوفيات العنيفة التي سببتها القنابل والصواريخ الإسرائيلية([67]).
20. وقد أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن “قلقها البالغ إزاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة ومعاناة السكان المدنيين الفلسطينيين”([68])، وأشار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على وجه الخصوص إلى “الأثر غير المتناسب على الأطفال”([69]). وفي قرارها إي إس-10/22 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، أحيطت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا “علمًا” صريحًا برسالة مؤرخة في 7 كانون الأول/ديسمبر 2023 من المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى ( “الأونروا”) موجهة إلى رئيس الجمعية العامة. وفي الرسالة غير المسبوقة، توقع المفوض العام… انتهاء الولاية التي من المتوقع أن يقضيها” ودعى إلى “وضع حد لتدمير غزة وشعبها”([70]).
ب. الخلفية
1. قطاع غزة (“غزة”)
21- تعتبر غزة عبارة عن شريط ضيق من الأراضي، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب مصر، ومن الشمال والشرق إسرائيل. وتمثل إلى جانب الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، إحدى المنطقتين المكونتين للأرض الفلسطينية المحتلة (‘الأرض الفلسطينية المحتلة’) – التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967 – ودولة فلسطين، التي اعترفت بها جنوب أفريقيا في 15 شباط/فبراير 1995، ومنحت مركز دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012([71]).
22. يبلغ عدد سكان غزة حوالي 2.3 مليون نسمة، أكثر من نصفهم من الأطفال. يعتبر 80 بالمئة من الفلسطينيين في غزة هم لاجئون – وأحفادهم – من البلدات والقرى في ما يعرف الآن بدولة إسرائيل([72])، طردوا أو أجبروا على الفرار أثناء التهجير الجماعي لأكثر من 750 ألف فلسطيني أو ما يعرف”بالنكبة” أثناء إنشاء دولة إسرائيل([73]). ولذلك فإن النكبة والتهجير الجماعي المرتبط بها يحتل مكانة بارزة في تاريخ ووعي الفلسطينيين في غزة، كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني الأوسع. يشكل الفلسطينيون في غزة جزءا كبيرا من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية: فهم جزء بارز من المجموعة، ويشكلون سكان إحدى المنطقتين المكونتين لدولة فلسطين. ويمثلون جزءًا كبيرًا من الناحية الكمية من السكان الفلسطينيين في دولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال، والذين يبلغ عددهم حوالي 5.48 مليون نسمة([74]).
خريطة قطاع غزة
23. تضم غزة خمس محافظات. وتمتد محافظات شمال غزة ومحافظات غزة التي تشكل “الشمال” من شمال وادي غزة باتجاه معبر إيريز، وهو معبر للمشاة إلى إسرائيل (المعروف أيضًا باسم “معبر بيت حانون”). يعد “الشمال” ه عادة موطن لحوالي 1.1 مليون فلسطيني([76])، يتركز العديد منهم في مدينة غزة (حوالي 713,488 نسمة)([77])، وكذلك في بيت لاهيا وبيت حانون، وفي مخيمي الشاطئ وجباليا للاجئين. ويقع في الشمال أكبر مستشفى في غزة، مستشفى الشفاء الطبي، بالإضافة إلى مستشفى كمال عدوان. يبلغ عدد سكان محافظة دير البلح (“المنطقة الوسطى”) عادة 302,507 نسمة([78])، في المقام الأول في مدينة دير البلح، وكذلك في مخيمات المغازي والنصيرات والبريج ومخيمات دير البلح للاجئين؛ فهو المكان الذي توجد فيه محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة. وتقع محافظتا خان يونس ورفح (“الجنوب”) أسفل محافظة دير البلح وتمتدان إلى معبر رفح مع مصر.
تقع المراكز السكانية الرئيسية في الجنوب وهي خان يونس ورفح، بالإضافة إلى مخيمي خان يونس ورفح للاجئين. يقع معبر كارم شالوم (المعروف أيضًا باسم معبر كارم أبو سالم) على بعد أربعة كيلومترات غرب مدينة رفح. يقع مستشفى ناصر في الجنوب كذلك([79]). بلغ عدد سكان الجنوب قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حوالي 673,844 نسمة([80]). وتأوي المنطقة الوسطى والجنوب الآن أكثر من 1.2 مليون نازح داخلي في 98 منشأة تابعة للأونروا([81])، وعشرات الآلاف في خيام مؤقتة في منطقة المواصي – وهي بلدة بدوية فلسطينية تقع في شريط صغير من الرمال غير المستغلة في الغالب على طول ساحل غزة على البحر الأبيض المتوسط([82]) حددتها إسرائيل عند استئناف الأعمال القتالية في الأسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2023 على أنها “منطقة آمنة” مزعومة([83]). ويُعتقد أن حوالي 160 ألف فلسطيني نازح لا يزالون يسكنون في مرافق الأونروا في الشمال([84])، بالإضافة إلى آخرين يحتمون في مواقع أخرى.
24. حتى سنة 2005، كانت غزة – مثل الضفة الغربية اليوم – محتلة من قبل القوات العسكرية الإسرائيلية على أرض الواقع. ومع ذلك، في سنة 2005، قامت إسرائيل “بفك الارتباط” من غزة من جانب واحد، وتفكيك قواعدها العسكرية ونقل المستوطنين الإسرائيليين من المستوطنات في غزة إلى إسرائيل وإلى الضفة الغربية المحتلة([85]). على الرغم من “فك الارتباط”، تواصل إسرائيل ممارسة سيطرتها على المجال الجو والمياه الإقليمية والمعابر البرية والمياه والكهرباء والمجال الكهرومغناطيسي والبنية التحتية المدنية في غزة([86])، بالإضافة إلى استيلاءها على المهام الحكومية الرئيسية، مثل إدارة سجل السكان الفلسطينيين في غزة([87]). ونظرًا لاستمرار سيطرة إسرائيل الفعالة على القطاع، غزة، لا يزال المجتمع الدولي يعتبرها خاضعة لاحتلال عسكري من جانب إسرائيل([88]). وقد تجلت السيطرة شبه الكاملة التي تمارسها إسرائيل على الوصول إلى غزة، وعلى المياه والوقود والكهرباء وإمدادات الغذاء، بشكل صارخ منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
25. حُظر الدخول والخروج جواً وبحراً إلى غزة منذ أوائل التسعينيات، حيث تدير إسرائيل معبرين فقط – إيريز (للمشاة) وكرم شالوم (للبضائع) – يمكن للفلسطينيين في غزة من خلالهما الوصول إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لعمل والتجارة و الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بالمرافق الاجتماعية وزيارة الأقارب([89]). مع ذلك، فرضت إسرائيل حصارًا صارمًا على غزة، في أعقاب فوز حماس في الانتخابات سنة 2006 والذي أعقبه أعمال عنف بين الفلسطينيين، معلنة أن المنطقة بأكملها “منطقة معادية”([90]). تم تشديد القيود الحالية على حركة الأشخاص بشكل كبير، حيث أصبح معظم الفلسطينيين في غزة غير مؤهلين للحصول على تصاريح للسفر، مما أدى إلى انفصال طويل الأمد وغير محدد للعديد من العائلات الفلسطينية([91]). ولا يحصل سوى القليل من المؤهلين للسفر ” بالضرورة” على تصاريح، ويواجهون دائمًا تأخيرات وصعوبات في هذه العملية([92]). بين سنتي 2008 و2021، سجلت منظمة الصحة العالمية أن 839 فلسطينيًا من غزة توفوا أثناء انتظارهم للحصول على تصاريح طبية لمغادرة غزة لتلقي العلاج الطبي العاجل([93]).كانت غالبية التصاريح مخصصة لعمال اليوميين وتجار المنتجات الزراعية، وذلك في المقام الأول للقيام بأعمال منخفضة المهارات في إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية([94]). بين سنتي 2007 و2010، نظمت إسرائيل واردات الأغذية إلى غزة وفقًا للسعرات الحرارية لكل شخص، للحد من تحويلات الغذاء إلى “الحد الأدنى الإنساني”، دون التسبب في الجوع أو سوء التغذية([95]). بعد ذلك طبقت إسرائيل نظام “الاستخدام المزدوج” على الواردات إلى غزة، وقيدت بشدة دخول البضائع من خلال حظر البضائع التي يمكن أن يكون لها استخدام مدني/عسكري مزدوج ([96]).
26. ويؤثر تنفيذ إسرائيل الموازي لمنطقة عازلة واسعة داخل السياج الحدودي الشرقي لغزة (يُقدر أنه يقيد الوصول إلى حوالي 24 في المائة من غزة) بشدة على الإمدادات الغذائية الداخلية، عن طريق تقليص المساحة الزراعية الرئيسية المخصصة للزراعة([97]). كما جعلت إسرائيل صيد الأسماك خطيرا للغاية بالنسبة للفلسطينيين، الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول الكامل إلى منطقة الصيد البالغة 20 ميلًا بحريًا المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو – الاتفاقيات المؤقتة المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أوائل التسعينيات. أدى الحصار البحري – الذي فرضته القوات الإسرائيلية من خلال استخدام القوة والاعتقالات ومصادرة معدات الصيد – إلى تقليص منطقة مستجمعات الصيد لصيادي الأسماك في غزة بشدة، مما أدى إلى تلوث المياه قبالة الساحل مباشرة، وتفشي الصيد الجائر الذي يؤثر بدوره على الاستدامة([98]). منذ فترة طويلة في عام 2015، حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) من أن الإجراءات التقييدية التي تفرضها إسرائيل تهدد بأن تصبح غزة غير صالحة للسكن بحلول سنة 2022([99]). في سنة 2020، وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، تأثير الحصار الإسرائيلي على غزة بأنه حوّل غزة “من مجتمع منخفض الدخل يتمتع بعلاقات تصدير متواضعة ولكن متنامية مع الاقتصاد الإقليمي والدولي إلى غيتو فقير مع اقتصاد متهالك ونظام خدمة اجتماعية منهار”([100]). وفي سنة 2022، وصف الوضع على النحو التالي:
“في غزة، تتمثل الإستراتيجية الواضحة لإسرائيل في إيواء سكان غير مرغوب فيهم يبلغ عددهم مليوني فلسطيني لأجل غير مسمى، والذين حصرتهم في شريط ساحلي ضيق من الأرض من خلال الحصار الجوي والبري والبحري الشامل الذي تفرضه منذ 15 عامًا (مع المزيد من القيود التي تفرضها مصر على الحدود الجنوبية لغزة). وقد وصف بان كي مون هذا الحجر الصحي السياسي للسكان بأنه “عقاب جماعي”، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي.
ذكر البنك الدولي في عام 2021 أن قطاع غزة خضع لعملية طويلة الأمد من التراجع الاقتصادي والصناعي، أدت إلى معدل بطالة بنسبة 45 بالمائة ونسبة فقر تصل إلى 60 بالمائة؛ حيث أصبح 80 بالمائة من السكان يعتمدون على شكل من أشكال المساعدة الدولية، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى الحصار المحكم الذي يمنع وصول غزة إلى العالم الخارجي، ولقد أصبحت طبقة المياه الجوفية الساحلية، وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب الطبيعية في غزة، ملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري بسبب التلوث بمياه البحر والصرف الصحي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المياه بشكل كبير بالنسبة للسكان المعوزين بالفعل، وتعتمد غزة بشكل كبير على مصادر خارجية – إسرائيل ومصر – للحصول على الطاقة، ويعيش الفلسطينيون في ظل انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل لمدد تتراوح بين 12 و20 ساعة يوميًّا، مما يضعف بشدة الحياة اليومية والاقتصاد، ويخضع دخول وتصدير البضائع لرقابة صارمة من قبل إسرائيل، مما أدى إلى خنق الاقتصاد المحلي، كما أن نظام الرعاية الصحية في غزة في حالة انهيار تام، مع وجود نقص خطير في العاملين في مجال الرعاية الصحية، وعدم كفاية معدات العلاج، وانخفاض الإمدادات من الأدوية والعقاقير الطبية، ونادرًا ما يتمكن الفلسطينيون في غزة من السفر خارجها، الأمر الذي يشكل إنكارًا لحقهم الأساسي في حرية التنقل، والأمر الأكثر خطورة هو أنهم تحملوا أربع حروب غير متكافئة إلى حد كبير مع إسرائيل على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، والتي تسببت في خسائر فادحة في أرواح المدنيين وتدمير هائل للممتلكات، هذه المعاناة اعترف بها أنطونيو غوتيريش في تموز/مايو 2021، عندما قال: “إذا كان هناك جحيم على الأرض، فهو حياة الأطفال في غزة”([101]).
27. في الفترة من 29 أيلول/ سبتمبر 2000 إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل ما يقرب من 7,569 فلسطينيًا ([102])، من بينهم 1,699 طفلًا([103])، بما في ذلك في تلك “الحروب الأربع غير المتكافئة إلى حد كبير”، فضلًا عن الهجمات العسكرية الأخرى الأصغر حجمًا، مع إصابة عشرات الآلاف آخرين، وقتل 214 فلسطينيًّا آخرين من بينهم 46 طفلًا خلال “مسيرة العودة الكبرى”([104])، وهي احتجاج سلمي واسع النطاق على طول السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، شارك فيه آلاف الفلسطينيين كل يوم جمعة لأكثر من 18 شهرًا، مطالبين “برفع الحصار المفروض على غزة ورفع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين” إلى منازلهم وقراهم في إسرائيل ([105])، وفي يوم دموي واحد، قتلت إسرائيل 60 متظاهرًا فلسطينيًا([106])، كما حددت لجنة التحقيق المستقلة بشأن الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينية المحتلة (“اللجنة”) أنه:
“خلال هذه المظاهرات الأسبوعية، قتلت قوات الأمن الإسرائيلية وأصابت بجروح خطيرة مدنيين لم يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية ولم يشكلوا تهديدًا وشيكًا للحياة، وكان من بين المصابين بالرصاص أطفال ومسعفون وصحفيون وأشخاص من ذوي الإعاقة”([107]).
28. كان من بين هؤلاء الذين قتلوا على يد الجنود الإسرائيليين، الذين أطلقوا النار من خلف السياج الفاصل، ثلاثة مسعفين وصحفيين، وأصابت إسرائيل ما يزيد على 36,100 فلسطيني، من بينهم ما يقرب من 8,800 طفل([108])، وأصيب 4,903 شخص بالرصاص في الأطراف السفلية، “وكان العديد منهم يقفون على بعد مئات الأمتار من القناصين، غير مسلحين”([109])، واضطر 156 منهم إلى بتر طرف واحد على الأقل([110])، فيما احتاج أكثر من 1200 إلى علاج متخصص لإعادة بناء الأطراف([111])، ووجدت اللجنة أن عملية التشويه لم تكن عرضية؛ فقواعد الاشتباك التي اعتمدتها إسرائيل تسمح للقناصين بإطلاق النار على أرجل “المحرضين الرئيسيين”([112])، واعترف جندي إسرائيلي بأنه أطلق النار على “42 ركبة في يوم واحد”([113]).
29. وجدت اللجنة أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن القناصة الإسرائيليين “أطلقوا النار عمدًا” على الأطفال، مع علمهم أنهم أطفال([114])، وأنهم أيضًا “أطلقوا النار عمداً” على العاملين في مجال الصحة والصحفيين “على الرغم من أنهم رأوا أنهم يرتدون علامات واضحة تدل عليهم”([115])، ووجدت كذلك “أسبابًا معقولة للاعتقاد” بأن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار على المتظاهرين المعاقين “عمدًا، على الرغم من رؤيتهم لإعاقاتهم الواضحة”، وعلى الرغم من أنهم لا يشكلون تهديدًا وشيكًا([116]).
30. وقد خلصت تقارير أخرى صادرة عن هيئات ومنتدبي الأمم المتحدة بشكل متكرر إلى أن إسرائيل قد ارتكبت انتهاكات خطيرة للقانون الدولي في هجماتها العسكرية السابقة على غزة، على سبيل المثال:
— تقرير لجنة التحقيق في حقوق الإنسان المنشأة عملًا بقرار اللجنة رقم “S-5/1” المؤرخ بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 2000 (16 آذار/مارس 2001):([117])
“50… ويبدو أن جيش الدفاع الإسرائيلي، على أساس الضرورة العسكرية، قد دمر المنازل وألحق الدمار بمساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، وخاصة في غزة، التي تعاني بالفعل من نقص الأراضي، وتشير الإحصائيات إلى أنه تم هدم 94 منزلًا، وتجريف 7,024 دونمًا من الأراضي الزراعية في غزة، وتقدّر الأضرار التي لحقت بالمنازل الخاصة بمبلغ 9.5 ملايين دولار أمريكي والأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية بنحو 27 مليون دولار أمريكي…. وقد دُمرت المنازل الواقعة على هذه الأرض واضطرت الأسر إلى العيش في الخيام، كما دُمرت آبار المياه في المنطقة المجاورة بالكامل، ووجدت اللجنة أنه من الصعب تصديق أن هذا التدمير، الذي يتم عمومًا في منتصف الليل ودون سابق إنذار، له ما يبرره على أساس الضرورة العسكرية، وبدا للجنة أن هذا التدمير للممتلكات قد تم بطريقة تخويفية لا علاقة لها بالأمن، وعدم احترام رفاهية المدنيين، وتتجاوز احتياجات الضرورة العسكرية، وتشير الأدلة إلى أن تدمير الممتلكات وهدم المنازل تكرر في أماكن أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والفلسطينيون، كغيرهم من الناس، مرتبطون بشدة بمنازلهم وأراضيهم الزراعية، وإن هدم المنازل وتدمير أشجار الزيتون والحمضيات، التي رعاها المزارعون على مدى سنوات عديدة، قد تسبب في معاناة إنسانية لا توصف لأشخاص لا علاقة لهم بالعنف الحالي…..”
51. تستنتج اللجنة أن جيش الدفاع الإسرائيلي قد تورط في الاستخدام المفرط للقوة على حساب الأرواح والممتلكات في فلسطين.
— تقرير بعثة تقصي الحقائق رفيعة المستوى إلى بيت حانون المنشأة بموجب قرار المجلس رقم “S-3/1” (في 1 أيلول/سبتمبر 2008، رئيس الأساقفة ديزموند توتو والبروفيسور كريستين شينكين)([118]):
“72. تعرب البعثة عن تعاطفها مع جميع ضحايا القصف الذي وقع في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 على بيت حانون، لقد أودى الهجوم بحياة أشخاص، وألحق إصابات جسدية وعقلية مروعة، ومزق عائلات، ودمر منازل، وحرمهم من سبل العيش، وأصاب السكان بالصدمة، وقد ضاعفت آثاره تلك العلل…
75. …. وفي غياب تفسير مبرر من جانب الجيش الإسرائيلي (الذي يملك وحده الحقائق ذات الصلة)، يجب على البعثة أن تخلص إلى أن وجود احتمال بأن يكون قصف بيت حانون يشكل جريمة حرب على النحو المحدد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية….
76. لقد كانت سيادة القانون من بين ضحايا قصف بيت حانون؛ فلم تكن هناك مساءلة عن العمل الذي أدى إلى مقتل 19 شخصًا وإصابة كثيرين آخرين…
— تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة والمنشأة عملًا بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-9/1” المؤرخ بتاريخ 12 كانون الثاني/يناير 2009 (25 أيلول/سبتمبر 2009)([119]):
“36.… لم تجد البعثة أي دليل يدعم الادعاءات القائلة بأن مرافق المستشفيات قد استخدمت من قبل سلطات غزة أو الجماعات المسلحة الفلسطينية لحماية الأنشطة العسكرية أو أن سيارات الإسعاف استخدمت لنقل المقاتلين أو لأغراض عسكرية أخرى، واستنادًا إلى تحقيقاتها الخاصة وتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة؛ تستبعد البعثة أن تكون الجماعات الفلسطينية المسلحة قد شاركت في أنشطة قتالية من مرافق الأمم المتحدة التي استخدمت كملاجئ أثناء العمليات العسكرية…
55. حققت البعثة في أربع حوادث قامت فيها القوات المسلحة الإسرائيلية بإكراه رجال مدنيين فلسطينيين تحت تهديد السلاح على المشاركة في عمليات تفتيش المنازل أثناء العمليات العسكرية… وتخلص البعثة إلى أن هذه الممارسة ترقى إلى مستوى استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وبالتالي فهي محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي… وتم استجواب الرجال الفلسطينيين الذين تم استخدامهم كدروع بشرية تحت التهديد بالقتل أو الإصابة لانتزاع معلومات عن حماس والمقاتلين الفلسطينيين والأنفاق، وهذا يشكل انتهاكًا آخر للقانون الإنساني الدولي….
60. بالإضافة إلى الحرمان التعسفي من الحرية وانتهاك الحقوق في الإجراءات القانونية الواجبة، فإن حالات المدنيين الفلسطينيين المحتجزين تسلط الضوء على خيط مشترك للتفاعل بين الجنود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين والذي ظهر بوضوح أيضًا في العديد من الحالات التي نوقشت في مكان آخر من التقرير: من الانتهاكات المستمرة والمنهجية، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والمعاملة المهينة التي تحط من الكرامة وتتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وتخلص البعثة إلى أن هذه المعاملة هي إنزال للعقوبة الجماعية بهؤلاء المدنيين وتصل إلى حد تدابير التخويف والإرهاب…
382. في تقييم الضربات الإسرائيلية ضد مبنى المجلس التشريعي والسجن الرئيسي، لاحظت البعثة في المقام الأول أن حماس هي منظمة ذات مكونات سياسية وعسكرية ورعاية اجتماعية واضحة المعالم..
391. ترفض البعثة تحليل كبار المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين بأنه، بسبب الطبيعة المزعومة لحكومة حماس في غزة، فإن التمييز بين الأجزاء المدنية والعسكرية من البنية التحتية الحكومية لم يعد ذا صلة بالصراع بين إسرائيل وحماس…
392. وترى البعثة أن هذه حجة خطيرة ينبغي رفضها بشدة باعتبارها تتعارض مع مبدأ التمييز الأساسي، ويحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات ضد الأهداف التي لا تقدم مساهمة فعالة في العمل العسكري، وتعتبر الهجمات غير الموجهة ضد أهداف عسكرية (أو ذات استخدام مزدوج) انتهاكًا لقوانين الحرب، بغض النظر عن مدى نجاح المهاجم في اعتبارها من وجهة نظر استراتيجية أو سياسية…
522. جاء التحذير بالذهاب إلى مراكز المدن في بداية الغزو البري، وترى البعثة أنه كان من غير المعقول، في هذه الظروف، الافتراض بأن المدنيين سيغادرون منازلهم بالفعل، ونتيجة لذلك، فإن الاستنتاج الذي يُزعم أنه يشكل جزءً من منطق الجنود على الأرض، بأن أولئك الذين بقوا في أماكنهم يجب أن يكونوا مقاتلين، هو استنتاج غير مبرر على الإطلاق.
629. مع الأخذ في الاعتبار الأسلحة المستخدمة، ولا سيما استخدام الفسفور الأبيض داخل وحول مستشفى كانت القوات المسلحة الإسرائيلية تعلم أنه لا يتعامل مع عشرات الجرحى والجرحى فحسب، بل يوفر أيضًا المأوى لعدة مئات من المدنيين، تجد البعثة، استنادًا إلى جميع المعلومات المتاحة لها، أن القوات المسلحة الإسرائيلية، بضربها المستشفى ومستودع سيارات الإسعاف بشكل مباشر في هذه الظروف، انتهكت المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة وانتهكت القانون الدولي العرفي فيما يتعلق بالتناسب…
1027. البعثة… وجدت أن التدمير المنهجي للأغذية وخدمات الإنتاج والمياه وصناعات البناء كان مرتبطا بالسياسة العامة المتمثلة في التدمير غير المتناسب لجزء كبير من البنية التحتية في غزة.
1214. من خلال إطارها الفضفاض للغاية “للبنية التحتية الداعمة”، سعت القوات المسلحة الإسرائيلية إلى بناء نطاق أنشطتها، والذي كان في رأي البعثة مصممًا ليكون له عواقب وخيمة لا محالة على غير المقاتلين في غزة…
1215- إن تصريحات القادة السياسيين والعسكريين قبل العمليات العسكرية وأثناءها في غزة لا تترك مجالًا للشك في أن التدمير غير المتناسب والعنف ضد المدنيين كانا جزءً من سياسة متعمدة…
1883. كانت العمليات العسكرية في غزة، وفقًا للحكومة الإسرائيلية، مخططة بدقة وعلى نطاق واسع، وبينما سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تصوير عملياتها على أنها رد فعل أساسي على الهجمات الصاروخية في إطار ممارسة حقها في الدفاع عن النفس، ترى البعثة أن الخطة كانت موجهة، جزئيًّا على الأقل، نحو هدف مختلف: وهو شعب غزة ككل…
1888. تدرك البعثة تمامًا أن القوات المسلحة الإسرائيلية، مثل أي جيش يحاول التصرف ضمن حدود القانون الدولي، يجب أن تتجنب المخاطرة غير الضرورية بحياة جنودها، ولكن لا يمكنها أيضًا نقل هذا الخطر إلى حياة المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، تنطبق المبادئ الأساسية للتمييز والتناسب على ساحة المعركة، سواء كانت ساحة المعركة منطقة حضرية مبنية أو ساحة مفتوحة.
1889. يبدو للبعثة أن الفشل المتكرر في التمييز بين المقاتلين والمدنيين كان نتيجة لتوجيهات متعمدة صدرت للجنود، كما وصفها بعضهم، وليس نتيجة هفوات عرضية…
1891. يتضح من الأدلة التي جمعتها البعثة أن تدمير منشآت الإمدادات الغذائية وأنظمة الصرف الصحي للمياه ومصانع الخرسانة والمنازل السكنية كان نتيجة لسياسة متعمدة ومنهجية من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية، وهذا لم يتم تنفيذ لأن تلك الأهداف تمثل تهديداً أو فرصة عسكرية، بل لجعل عملية الحياة اليومية والعيش الكريم أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين…
1892. بالتزامن مع التدمير المنهجي للقدرة الاقتصادية لقطاع غزة، يبدو أن هناك أيضًا اعتداء على كرامة الشعب، ولم يتجلى ذلك في استخدام الدروع البشرية والاعتقالات غير القانونية والتي تكون في بعض الأحيان في ظروف غير مقبولة فحسب، بل ظهر أيضًا في تخريب المنازل عند احتلالها، وفي الطريقة التي يُعامل بها الناس عند دخول منازلهم، وتشكل الكتابات على الجدران، والألفاظ البذيئة، والشعارات العنصرية في كثير من الأحيان، صورة شاملة لإهانة السكان الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم…
1893. تم التخطيط للعمليات بعناية في جميع مراحلها، وتم تقديم الآراء والمشورة القانونية طوال مراحل التخطيط وعلى مستويات تشغيلية معينة خلال الحملة، ولم تكن هناك أخطاء تقريبًا وفقًا لحكومة إسرائيل، وفي ظل هذه الظروف، تخلص البعثة إلى أن ما حدث خلال ما يزيد قليلًا عن ثلاثة أسابيع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 كان هجومًا متعمدًا وغير متناسب يهدف إلى معاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين، وتقليص قدرتهم الاقتصادية المحلية بشكل جذري على العمل وإعالة نفسها، ويفرض عليهم شعورًا متزايدًا بالتبعية والضعف…
1927. وجدت البعثة أن القوات المسلحة الإسرائيلية في غزة قامت بجمع واعتقال مجموعات كبيرة من الأشخاص المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وترى البعثة أن احتجازهم لا يمكن تبريره سواء على أنه احتجاز “مقاتلين غير شرعيين” أو على أنه اعتقال لمدنيين تحت أسباب أمنية قاهرة….
1929. وترى البعثة أيضًا أن القوات المسلحة الإسرائيلية هاجمت ودمرت بشكل غير قانوني وتعسفي ودون ضرورة عسكرية عددًا من مرافق إنتاج وتجهيز الأغذية (بما في ذلك المطاحن والأراضي والمشاتل الزراعية)، ومنشآت مياه الشرب، والمزارع والحيوانات في انتهاك لمبدأ التمييز، ومن الحقائق التي تأكدت منها البعثة، ترى أن هذا التدمير تم بغرض حرمان السكان المدنيين من سبل العيش، في انتهاك للقانون العرفي المنعكس في المادة 54 (2) من البروتوكول الإضافي الأول، وتخلص البعثة كذلك إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية قامت بتدمير واسع النطاق للمنازل السكنية الخاصة وآبار المياه وخزانات المياه بشكل غير قانوني وتعسفي.
— تقرير لجنة التحقيق المستقلة المنشأة عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-21/1” (في 24 يونيو 2015)([120]):
“44.…. إن العدد الكبير من الهجمات المستهدفة ضد المباني السكنية وحقيقة أن مثل هذه الهجمات استمرت طوال العملية، حتى بعد أن أصبح التأثير الوخيم لهذه الهجمات على المدنيين والأعيان المدنية واضحًا، يثير القلق من أن الضربات ربما شكلت تكتيكات عسكرية تعكس نطاقًا أوسع من الهجمات، وهذه السياسة، تمت الموافقة عليها ضمنيًا على الأقل من قبل صناع القرار على أعلى المستويات في حكومة إسرائيل…
51.… إن حقيقة أن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يعدل الطريقة التي أجرى بها عملياته بعد أن أدت حلقات القصف الأولية إلى مقتل عدد كبير من المدنيين تشير إلى أن سياساته التي تحكم استخدام المدفعية في المناطق المكتظة بالسكان قد لا تتوافق مع القانون الإنساني الدولي.
53.… ربما تم اعتماد التدمير بنيران المدفعية والغارات الجوية والجرافات كتكتيك للحرب، ويمكن القول إن بعض الدمار قد يكون نتيجة للمحاولات المشروعة لقوات الدفاع الإسرائيلية لتفكيك الأنفاق وحماية جنودها، ومع ذلك، فإن تركيز الدمار في البلدات القريبة من الخط الأخضر، والذي يصل في بعض المناطق إلى 100 بالمائة، والطريقة المنهجية التي تمت بها تسوية هذه المناطق بالأرض واحدة تلو الأخرى، يثير مخاوف من أن مثل هذا التدمير الواسع النطاق لم يكن تقتضيه الضرورة العسكرية الحتمية، وفي حال تأكيد ذلك فإنه يشكل انتهاكًا جسيمًا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تعتبر جريمة حرب…
55.… كان المقصود من التحذيرات بالإخلاء إنشاء “مناطق قتال معقمة”، بحيث لم يعد الأشخاص الذين بقوا في المنطقة يعتبرون مدنيين، وبالتالي لا يستفيدون من الحماية التي يوفرها وضعهم المدني، فعلى سبيل المثال، بحسب ما ورد عن رئيس مكتب العقيدة في مقر سلاح المشاة: “… في وقت السلم، يقف الجنود في مواجهة السكان المدنيين، ولكن في وقت الحرب، لا يوجد سكان مدنيون، بل مجرد عدو”….
56…. الاستدلال على أن أي شخص يبقى في منطقة كانت موضع تحذير هو عدو أو شخص متورط في “نشاط إرهابي”، أو إصدار تعليمات بهذا المعنى، يساهم في خلق بيئة مواتية لشن هجمات ضد المدنيين، والمدنيون الذين يختارون عدم الاستجابة للتحذير لا يفقدون الحماية التي يمنحها وضعهم، فالطريقة الوحيدة التي يفقد بها المدنيون حمايتهم من الهجوم هي المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، لذا فإن مجرد إصدار تحذير لا يعفي جيش الدفاع الإسرائيلي من التزاماته القانونية بحماية حياة المدنيين…
57- ويشير فحص الإجراءات التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في الشجاعية في تموز/يوليو، وفي رفح في 1 آب/أغسطس إلى أن حماية الجنود الإسرائيليين أثرت بشكل كبير على سلوك جيش الدفاع الإسرائيلي في هذه العمليات، وتجاوزت في بعض الأحيان أي قلق بشأن تقليل الضحايا المدنيين إلى أدنى حد ممكن، ورغم أن حماية القوة هدف مشروع، فإن لدى اللجنة انطباع واضح بأنه عندما تكون حياة الجنود على المحك أو يكون هناك خطر القبض عليهم…
58.… وتعتقد اللجنة أن الثقافة العسكرية التي خلقتها مثل هذه الأولويات السياسية ربما كانت عاملاً ساهم في اتخاذ القرار بإطلاق العنان لقوة نيران هائلة في رفح والشجاعية، في تجاهل تام لتأثيرها المدمر على السكان المدنيين، علاوة على ذلك، فإن تطبيق هذا البروتوكول في سياق بيئة مكتظة بالسكان من خلال استخدام الأسلحة الثقيلة يؤدي كما هو متوقع إلى انتهاكات لمبدأي التمييز والتناسب.
— تقرير النتائج التفصيلية للجنة التحقيق المستقلة المنشأة عملًا بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-21/1” المؤرخ بتاريخ 23 تموز/يوليو 2014 (24 حزيران/يونيو 2015)([121]):
293. إن العدد الهائل من القذائف التي تم إطلاقها، وكذلك ما ورد عن إسقاط أكثر من 100 قنبلة تزن طنًا واحدًا في فترة قصيرة من الزمن على منطقة مكتظة بالسكان، إلى جانب الاستخدام المزعوم لوابل من المدفعية، يثير تساؤلات حول احترام احترام جيش الدفاع الإسرائيلي لقواعد التمييز والاحتياطات والتناسب، كما أن هذه الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي، في مثل هذه المنطقة الصغيرة والمكتظة بالسكان، لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد ولا يمكنها التمييز بشكل كاف بين المدنيين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية كما يقتضي القانون الإنساني الدولي، وتشير المعلومات المتوفرة أيضًا إلى أنه أثناء عملية الشجاعية يومي 19 و20 تموز/يوليو، انتهك جيش الدفاع الإسرائيلي الحظر المفروض على التعامل مع عدة أهداف عسكرية فردية مختلفة في منطقة مكتظة بالسكان باعتبارها هدفًا عسكريًا واحدًا، ولذلك، هناك دلائل قوية على أن عملية الشجاعية التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي يومي 19 و20 تموز/يوليو قد نُفذت في انتهاك لحظر الهجمات العشوائية وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب.
294. وتثير عملية الشجاعية أيضًا مخاوف جدية من أن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يمتثل لالتزامه باتخاذ تدابير احترازية في الهجوم، فلا يمكن التوفيق بين اختيار الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي وبين الالتزام بالحرص المستمر على حماية المدنيين والأعيان المدنية، أو على الأقل التقليل من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية في منطقة مكتظة بالسكان….
340… ويشير الدمار واسع النطاق الذي نفذه جيش الدفاع الإسرائيلي في خزاعة، ولا سيما تدمير مناطق بأكملها في البلدة بنيران المدفعية والغارات الجوية والجرافات، إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي نفذ عمليات تدمير لم تكن تقتضيها الضرورة العسكرية…
341. إن مدى الدمار، بالإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها قائد اللواء المسؤول عن عملية خزاعة أثناء العملية، ومفادها أن “على الفلسطينيين أن يفهموا أن هذا لا يجدي نفعاً”، تشير إلى وجود نية عقابية في العمل الذي قام به جيش الدفاع الإسرائيلي في خزاعة، وقد تكون عقابًا جماعيًا…
342. تشير المعلومات التي تلقتها اللجنة إلى أنه في عدة حالات، تعرض الفلسطينيون الذين تم اعتقالهم، ومعظمهم في منازلهم في خزاعة، للإهانة والضرب والتهديد بالقتل وغيره من ضروب سوء المعاملة على يد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي بعض الحالات، قد ترقى المعاملة التي وصفها بعض الشهود إلى مستوى التعذيب…
348. وتثير الحوادث الأخرى وأنماط السلوك المزعومة في خزاعة عددًا من المخاوف بموجب القانون الدولي… وتشمل هذه الحوادث: الحوادث التي زُعم فيها أن مدنيين تعرضوا لإطلاق النار من قبل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي؛ والهجمات ضد سيارات الإسعاف؛ وعدم تقديم المساعدة الطبية للجرحى…
418. قال جيش الدفاع الإسرائيلي إن العدد الكبير من المباني التي دمرت في عملية “الجرف الصامد” نتج عن استهداف البنية التحتية الإرهابية والقتال العنيف على الأرض. ومع ذلك؛ فإن الأدلة التي جمعتها اللجنة، بما في ذلك تقييم الأحداث المذكورة أعلاه، ومواد الفيديو والصور، وملاحظات برنامج الأمم المتحدة للتدريب والبحث، ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، والشهادات السردية التي أدلى بها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، تشير إلى أن نطاق التدمير الواسع النطاق ربما تم اعتماده كتكتيك للحرب…
576. إلى جانب الخسائر في أرواح المدنيين، حدث تدمير هائل للممتلكات المدنية في غزة: حيث تم تدمير 18000 وحدة سكنية كليًا أو جزئيًا… إن امتلاك منزل له بعد عاطفي – فهو المكان الذي يتم فيه تخزين الذكريات – وفي كثير من الأحيان يكون هناك العديد من العناصر الأخرى التي ترتبط بها ذكريات السكان، إن تدمير منزل المرء أو تعرضه لأضرار بالغة يعني حرمانه من أكثر من مجرد هيكل مادي؛ كما أنه يؤثر بشكل مباشر على جوهر وجود الفرد…
671. تُطرح أسئلة حول دور كبار المسؤولين الذين يضعون السياسة العسكرية في العديد من المجالات التي فحصتها اللجنة، مثل هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي على المباني السكنية؛ واستخدام المدفعية وغيرها من الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق المكتظة بالسكان؛ وتدمير أحياء بأكملها في غزة؛ واللجوء المنتظم إلى الذخيرة الحية من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا سيما في حالات السيطرة على الحشود في الضفة الغربية، وفي كثير من الحالات، ربما كان الجنود الأفراد يتبعون سياسة عسكرية متفقًا عليها، ولكن ربما تكون هذه السياسة نفسها تنتهك قوانين الحرب.
— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (22 تشرين الأول/أكتوبر 2021)([122]): وأشار المقرر الخاص إلى أنه “من المؤسف أن التسامح الملحوظ من جانب المجتمع الدولي مع الاستثناء الإسرائيلي في سلوكه كاحتلال قد سمح للسياسة الواقعية بأن تتفوق على الحقوق، وللسلطة أن تحل محل العدالة، وللإفلات من العقاب أن يقوض المساءلة”.
— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (22 كانون الأول/ديسمبر 2020)([123]): وجد المقرر الخاص أن “تصرفات إسرائيل تجاه السكان المحميين في غزة ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي بموجب القانون الدولي، إن المليوني فلسطيني في غزة ليسوا مسؤولين عن أفعال حماس والجماعات المسلحة الأخرى، ومع ذلك فقد تحملوا نصيباً كبيراً من العقاب عن عمد”.
— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (28 آب/أغسطس 2023): فيما يتعلق بمعاملة إسرائيل للمعتقلين الفلسطينيين، وجد المقرر الخاص أن “حالات التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تشمل الاعتداءات الجنسية؛ وتغطية رؤوسهم وعصب أعينهم، وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة، وتقييدهم على كرسي في أوضاع مؤلمة، وحرمانهم من النوم والطعام، أو تعريضهم للموسيقى الصاخبة لساعات طويلة؛ أو المعاقبة بالحبس الانفرادي”([124]). وفيما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين بالأخص، أكد المقرر الخاص أنهم “يتعرضون لسوء المعاملة الشديد” أثناء الاستجواب([125]).
31. في عام 2019، رأى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك أن “هناك أساسًا معقولًا للاعتقاد” بأن الجيش الإسرائيلي ارتكب “جرائم الحرب… في سياق الأعمال القتالية في غزة عام 2014″، على وجه الخصوص([126])، ومؤخرًا، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أكد المدعي العام أن “مكتبه يقوم بتحقيق مستمر وله ولاية قضائية على فلسطين… وهذا يشمل الولاية القضائية على الأحداث الجارية في غزة وكذلك الأحداث الجارية في الضفة الغربية”([127])، وأشار المدعي العام إلى أن “إعاقة إسرائيل لإمدادات الإغاثة… قد تشكل جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة”([128])، وأشار كذلك إلى أن مكتبه “سيقوم بفحص” جميع المعلومات المتعلقة بالهجمات الإسرائيلية على المنازل والمدارس والمستشفيات والكنائس، والمساجد، لمطابقتها للقانون الإنساني الدولي([129])، ولم يقدم المدعي العام أي إشارة أحدث بشأن حالة التقدم في أي تحقيق فيما يتعلق بالوضع في دولة فلسطين، بما في ذلك الاستجابة لطلب المقدم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 من قبل جنوب أفريقيا ودول أخرى حتى تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جملة أمور منها جريمة الإبادة الجماعية([130]).
2. الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية)
32. وتبلغ مساحة الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهي الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية المحتلة، 5,655 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 2.9 مليون فلسطيني، وهي منفصلة جغرافيًّا عن غزة، ومجزأة بسبب المستوطنات الإسرائيلية([131]).
33. قسمت اتفاقيات أوسلو الاختصاصات الإدارية في ثلاث مناطق في الضفة الغربية (المناطق أ، ب، ج – لا تشمل القدس الشرقية) بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؛ السلطة القائمة بالاحتلال. المنطقة (أ)، التي تضم 18 بالمئة من الضفة الغربية؛ تخضع للسيطرة الإدارية الكاملة للسلطة الفلسطينية، والمنطقة (ب)؛ التي تشكل 22 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية والسيطرة الأمنية لإسرائيل. والمنطقة (ج)؛ التي تضم 60 بالمئة من الضفة الغربية، تخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة([132]). وفي عام 1967؛ زُعم أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية المحتلة إلى أراضيها، وفي عام 1980 أدرجت بندًا في قانونها الأساسي يطالب بالقدس “موحدة” كعاصمة لإسرائيل، وهي خطوة استنكرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعتبارها “لاغية وباطلة” ويجب “إلغاؤها فورًا”([133]). ومنذ عام 1967؛ قامت إسرائيل ببناء 279 “مستوطنة” للمدنيين الإسرائيليين في جميع أنحاء الضفة الغربية – بما في ذلك 14 مستوطنة في القدس الشرقية – والتي تستولي على 750 ألف دونم (185329 فدانًا) من الأراضي الفلسطينية([134]). وقد أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا أن إنشاء إسرائيل لمثل هذه المستوطنات “ليس له أي شرعية قانونية ويشكل انتهاكًا صارخًا بموجب القانون الدولي والقانون الدولي، وعقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين والسلام العادل والدائم والشامل”([135]). وبغض النظر عن ذلك، فقد زاد عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين تم نقلهم إلى الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) بشكل كبير من ما يقدر بـ 247,000 في وقت اتفاقيات أوسلو([136])، إلى أكثر من 700,000 في عام 2023([137]). وقرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (‘ICC’) أن هناك “أساساً معقولاً للاعتقاد” بأن “أفراداً من السلطات الإسرائيلية ارتكبوا جرائم حرب… فيما يتعلق، من بين أمور أخرى، بنقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية”([138]).
34. ووصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، الوضع في الضفة الغربية على النحو التالي:
“53….هناك، يخضع الفلسطينيون لنظام قانوني قاسٍ وتعسفي لا يساوي على الإطلاق النظام الذي يتمتع به المستوطنون الإسرائيليون. إن جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية محظور على الفلسطينيين، وهم يعانون بانتظام من قيود كبيرة على حريتهم في التنقل من خلال عمليات الإغلاق وحواجز الطرق، والحاجة إلى الحصول على تصاريح سفر يصعب الحصول عليها.
54 – إن الوصول إلى الموارد الطبيعية في الأرض المحتلة، وخاصة المياه، مخصص بشكل غير متناسب لإسرائيل والمستوطنين. وبالمثل؛ فإن نظام التخطيط الذي تديره سلطة الاحتلال للإسكان والتنمية التجارية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ينطوي على تمييز شديد لصالح بناء المستوطنات، في حين يفرض حواجز كبيرة على الفلسطينيين، بما في ذلك المصادرة المستمرة للأراضي، وهدم المنازل، والحرمان من تراخيص البناء. وتستخدم إسرائيل ممارسات قد تصل في بعض الحالات إلى حد الترحيل القسري للفلسطينيين، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، كوسيلة لمصادرة الأراضي لإقامة المستوطنات ومناطق التدريب على الأسلحة العسكرية وغيرها من الاستخدامات الحصرية لسلطة الاحتلال التي ليس لديها سوى القليل أو لا شيء لها. القيام بمتطلباتها الأمنية المشروعة.
55 – أما بالنسبة للقدس الشرقية، فقد أدى الاحتلال إلى فصلها بشكل متزايد عن روابطها الوطنية والاقتصادية والثقافية والأسرية التقليدية مع الضفة الغربية بسبب الجدار، وتزايد حلقة المستوطنات ونقاط التفتيش ذات الصلة، ونظام التصاريح التمييزي. وهي مهملة من قبل البلدية من حيث الخدمات والبنية التحتية، وقد استنزف الاحتلال اقتصادها، ولم يعد لدى الفلسطينيين سوى مساحة صغيرة من الأرض لبناء مساكن عليها”([139]).
35. إن النظام المؤسسي للقوانين والسياسات والممارسات التمييزية التي تطبقها إسرائيل يُخضع الفلسطينيين لما يشكل نظام فصل عنصري([140]) فالفلسطينيون في الضفة الغربية محصورون خلف جدار فصل، ويخضعون لما يلي: سياسات تقسيم وتخطيط الأراضي التمييزية؛ وهدم المنازل عقابيًا وإداريًا([141])؛ وتوغلات عنيفة للجيش الإسرائيلي في القرى والبلدات والمدن ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، بما في ذلك المنطقة أ([142])؛ وغارات إسرائيلية عنيفة روتينية على منازلهم؛ والاعتقالات التعسفية والاحتجاز الإداري لأجل غير مسمى القابل للتجديد (الاعتقال دون محاكمة)؛ ونظام قانوني مزدوج يتم بموجبه محاكمة الفلسطينيين بموجب التشريعات العسكرية الإسرائيلية في محاكم عسكرية إسرائيلية، دون توفير الحماية الأساسية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، في حين يخضع المستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون في نفس المنطقة لنظام قانوني مختلف، ويحاكمون في محاكم مدنية إسرائيلية تخضع للإجراءات القانونية الواجبة([143]).
36. يتعرض الفلسطينيون في الضفة الغربية أيضًا للعنف الروتيني على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين. فقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي الفترة ما بين 1 كانون الثاني/يناير و6 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل 199 فلسطينيًا على يد جنود أو مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، وأصيب 9,000 آخرين([144]). وبحلول سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت منظمة إنقاذ الطفولة بالفعل أن عام 2023 هو العام الأكثر دموية بالنسبة للأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005، حيث قُتل ما لا يقل عن 38 طفلًا فلسطينيًّا([145]). ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إضافة لذلك؛ قُتل 295 فلسطينيًا، من بينهم 77 طفلًا، على يد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وأصيب 3,803 آخرين، من بينهم 576 طفلًا – العديد منهم في حالة خطيرة([146]). وقُتل ما مجموعه 495 فلسطينيًا في الضفة الغربية، مما يجعلها الحصيلة الأكبر “الأكبر” والعام الأكثر دموية على الفلسطينيين” منذ عام 2005([147]).
37. وفي موجة من الاعتقالات الجماعية التعسفية، احتجزت إسرائيل أكثر من 3000 فلسطيني من الضفة الغربية والقدس الشرقية، بما في ذلك بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالوضع في غزة([148]). وزادت إسرائيل بشكل كبير عدد الفلسطينيين المحتجزين رهن الاحتجاز الإداري، دون تهمة أو محاكمة؛ حيث وصل عددهم إلى 2070([149]). كما تم اعتقال واحتجاز آلاف الفلسطينيين من غزة الذين يعملون في إسرائيل بشكل تعسفي، حيث أُعيد 3,200 قسريًا إلى غزة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وسط عمليات قصف مكثفة وواسعة النطاق. وتنتشر على نطاق واسع التقارير التي تفيد بأن العمال الفلسطينيين تعرضوا لسوء المعاملة عند القبض عليهم وتعرضوا للعنف الجسدي والإساءة والإذلال([150]). كما أفاد العديد من الفلسطينيين البالغين والأطفال المحتجزين من الضفة الغربية الذين تم إطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين بأنهم تعرضوا أيضًا لسوء المعاملة الشديدة والضرب المبرح وغير ذلك من الاعتداءات على الكرامة الشخصية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول إلى الغذاء والماء والعلاج الطبي والكهرباء في السجون الإسرائيلية([151]). وتوفي ستة معتقلين فلسطينيين من الضفة الغربية في السجون الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على وجه الخصوص([152]). وتم التحقيق مع 19 سجينًا إسرائيليًا لقيامهم بضرب الأسير ثائر أبو عصب حتى الموت في سجن كتسيعوت([153]).
38. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذت القوات الإسرائيلية غارات جوية وغارات عسكرية على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل العديد من الفلسطينيين، وجرف الطرق، وفرض قيود شديدة على الحركة([154]). ووقع 236 هجومًا على “الرعاية الصحية” – بما في ذلك المستشفيات – في الضفة الغربية، حيث تحتجز القوات الإسرائيلية الطواقم الصحية وسيارات الإسعاف وتمنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى([155]). كما تصاعدت بشكل كبير هجمات المستوطنين الإسرائيليين المسلحة على الفلسطينيين؛ بدعم علني من السياسيين الإسرائيليين([156]). فالمستوطنون – الذين غالبًا ما يرافقهم جنود إسرائيليون – قتلت ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين وأصابت ما لا يقل عن 85 آخرين، مما أدى إلى بث الرعب في نفوس الفلسطينيين، وخاصة المجتمعات الزراعية، وإلحاق أضرار بالممتلكات([157]). وقد تم تهجير 2,186 فلسطينيًا في الضفة الغربية، بما في ذلك 1,058 طفلًا، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نتيجة للعنف الشديد الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون، إلى جانب عمليات هدم المنازل العقابية أو الإدارية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والأضرار التي لحقت بالمنازل أثناء الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية([158]). وأشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أنه “يُسرّع التحقيقات” في هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية([159]).
39. إن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 – بما في ذلك دعمها للمستوطنين الإسرائيليين وعدم منعهم أو معاقبتهم بسبب التحريض والعنف ضد الفلسطينيين والممتلكات الفلسطينية، بما في ذلك طرد المجتمعات الفلسطينية الضعيفة من أراضيها – مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتصرفات إسرائيل في غزة، وتوفير السياق الأقل أهمية لانتهاكات إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية.
3. الهجمات التي وقعت في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023
40. تم شن الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة وحملتها العسكرية المشددة في الضفة الغربية ردًا على هجوم وقع في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (أطلق عليه اسم “عملية طوفان الأقصى”) شنته مجموعتان فلسطينيتان مسلحتان – الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وأطلقت الجماعات وابلًا كبيرًا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، واخترقت السياج الإسرائيلي الذي يحاصر غزة، وهاجمت قواعد عسكرية إسرائيلية وبلدات مدنية، بالإضافة إلى مهرجان موسيقي حضره آلاف الشباب، في ظروف يجري التحقيق فيها من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية([160]). وتدين جنوب أفريقيا بشكل لا لبس فيه استهداف المدنيين الإسرائيليين والأجانب من قبل حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى واحتجاز الرهائن في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على النحو المسجل صراحة في مذكرتها الشفهية الموجهة إلى إسرائيل بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2023.
41. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 1200 إسرائيلي ومواطن أجنبي في إسرائيل، وفقًا للأرقام التي قدمتها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك 36 طفلاً، الغالبية العظمى منهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نفسه([161]). وهناك ما يقرب من 240 مدني – ضمنهم العجائز والنساء والأطفال – والجنود الإسرائيليين تم احتجازهم كرهائن في غزة. ولم يتم إطلاق سراح سوى 110 منهم حتى الآن مقابل 240 فلسطينيًا – بما في ذلك كبار السن والنساء والأطفال – المسجونين أو “المحتجزين إداريًا” من قبل إسرائيل([162]).