"الضفة الغربية".. كرةُ النار تتدحرج بشكلٍ متسارع وسط تصعيد الاحتلال المستمر
الحرية- محمـد عوض:
بشكلٍ شبه يومي، تقتحم قوات الاحتلال الإسرائيلي، مناطق عديدة وواسعة في محافظة جنين، وتندلع اشتباكات مسلحة مع المقاومين، حيث تحدث الإعلام العبري مؤخرًا عن ازدياد أعدادهم، إذ يقصد من ذلك، ضرورة التخلّص منهم، واستعادة الهدوء، وبسط السيطرة، وليس تسليط الأضواء على كثرتهم.
ومنذ بداية عام 2022م، استشهد ما يزيد عن 50 فلسطينيًا، برصاص قوات الاحتلال، العديد منهم كانوا على قائمة المطلوبين بالتصفية، كما طالت أيادي الاحتلال، الصحفية شيرين أبو عاقلة، 51 عامًا، مراسلة قناة الجزيرة، في جريمةٍ بشعة، تعرّضت لإدانات دولية واسعة، دون أي إظهار إسرائيلي.
ومع أن الاحتلال لا ينتظر مبررًا للقتل، والاعتقال، والتدمير، إلا أن العمليات الست الأخيرة بالداخل المحتل، إلى جانبِ مقتل ضابط إسرائيلي في مخيم جنين، والتي أدت إلى مصرع 18 مستوطنًا، أوجدت ضغطًا هائلاً على حكومة "نفتالي بينيت"، وكادت أن تسقطها، وهو ما دفعه لشن عمليات واسعة بالضفة.
وهذه العمليات التي وقعت خلال الشهريْن الأخيريْن:
5 مايو/ أيار:
سقط 3 قتلى على الأقل و4 جرحى بهجوم وقع في بلدة إلعاد قرب تل أبيب. وقالت منظمة الإسعاف الطبي في إسرائيل إن اثنين من الجرحى حالتهما حرجة، وإن الآخرَين جروحهما متوسطة الخطورة.
28 أبريل/ نيسان:
قُتل حارس أمن إسرائيلي في مستوطنة أريئيل برصاص مسلحين فلسطينيين، ثم أعلن جيش الاحتلال في اليوم التالي اعتقال فلسطينيَيْن من محافظة سلفيت بزعم تنفيذهما الهجوم، وضبط أسلحة معهما. وأعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤوليتها عن الهجوم.
7 أبريل:
نفّذ شاب فلسطيني عملية إطلاق نار وسط مدينة تل أبيب، أسفرت عن مقتل شخصين، وإصابة 9 آخرين، ثم تمكنت قوى الأمن الإسرائيلية من قتْله في نهاية مطاردة استمرت 9 ساعات. وقالت الشرطة الإسرائيلية إن “إطلاق نار آلي وقع في مدينة تل أبيب أسفر عن مقتل شخصين، وإصابة 9 آخرين بجروح متفاوتة”.
29 مارس:
قُتل 5 إسرائيليين بإطلاق نار في مدينة “رمات غان” قرب تل أبيب (وسط)، وفق متحدث باسم الشرطة. وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن منفذ العملية استشهد في مكان الهجوم، وجرى اعتقال آخر.
ووفق قناة “كان” العبرية الرسمية، فإن منفذ الهجوم هو ضياء حمارشة (27 عامًا) من بلدة يعبد قرب جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة.
27 مارس:
قُتل إسرائيليان وأصيب 3 من عناصر الشرطة الإسرائيلية بإطلاق نار بمدينة الخضيرة (شمال)، بحسب بيان للشرطة قالت فيه إن “شخصين نفذا العملية، وقد قتلا”. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن منفذي الهجوم هما أيمن وإبراهيم إغبارية من مدينة أم الفحم (شمال)، وينتميان لتنظيم الدولة، الذي تبنى الهجوم.
22 مارس:
قُتل 4 إسرائيليين وأصيب آخرون بعملية طعن ودهس في مدينة بئر السبع (جنوب)، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. وأفادت تلك الوسائل باستشهاد منفذ الهجوم، وهو محمـد أبو القيعان أحد سكان بلدة “حورة” بالنقب.
الثلاثاء، الموافق 24 من الشهر الجاري، اقتحم المستوطنون بحافلاتٍ وأعدادٍ كبيرة، مدينة نابلس، للتوجه إلى قبر يوسف، تحت حماية قوات الاحتلال، حيث أظهرت مقاطعَ مصوّرة إطلاق النار عليهم من قبل مسلحين، مما أدى لاندلاع اشتباكات مسلحة بالمكان، ومن ثم توسعت بقعة المواجهة، واستهدف الجيش الشبان العزل، مما أدى لاستشهاد الفتى "غيث يامين"، 16 عامًا، وهو في الصف العاشر.
إطلاقُ نارٍ على الاحتلال في جنين، ومخيماتها، وقراها، امتد ليصل نابلس، وطوباس، وأطراف بيت لحم، وتبدو المواجهات المسلحة في الضفة الغربية، تتدحرج ككرةِ النار، إيذانًا بوصولها لمناطق أوسع، خاصةً مع استمرار سلطات الاحتلال بالسياسة التوسعية، والقتل، والتشريد، والهدم، والاعتقال بأعدادٍ جنونية.
وتتفاوت أراء المحليين السياسيين، حول إمكانية اندلاع انتفاضة مسلحة بالضفة الغربية، خاصةً في ظل تطور الأزمات السياسية، وعدم وجود أفق لأي حل مستقبلي، وتوقف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، هذا عدا عن جبهة غزة، ودعمها الدائم للعمل "الفدائي" بالضفة، باعتباره الرد الطبيعي على الجرائم الإسرائيلية.
وفي ذاتِ السياق، طالب جنرال إسرائيلي، باتخاذ خطوات استباقية قوية لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على ضوء ارتفاع حدة التصعيد والاعتداءات مؤخرًا.
وأكّد الجنرال مئير إيندور، في مقال صحفي نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، أنّ إرهاصات اندلاع انتفاضة ثالثة بدأت فعليًا بالظهور، مبيّنًا أنّ أسباب تفجر الانتفاضة الأولى في 1987، بدأت بالضبط مثلما يتطور الواقع الآن في الضفة الغربية وفي المدن المختلطة؛ حيث المظاهرات والإضرابات، ورشق الحجارة وتنفيذ عمليات الطعن.
وأضاف: إنّ "المؤشرات ذاتها تظهر هذه المرة، وبخلاف الماضي؛ فإن أجزاء متسعة في الوسط العربي بالداخل تلاحظ الهشاشة في المجتمع اليهودي، ولا سيما النخب، وتنضم إلى الكفاح الفلسطيني، وبعض مندوبي الوسط العربي في الكنيست والحكومة يتعاطون علنا مع فتح وحماس، ممن يقودون صراعًا مشتركًا".
وتابع: إنّ "المسافة تقصر لبدء انطلاقة انتفاضة ثالثة، وهذا هو أيضًا رأي خبراء عسكريين وأمنيين، ومن لا يرد الآن بقوة يستدعي لنفسه انتفاضة أخرى، حتى يستفاد الدرس من الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى عام 2000)، ولا نكرر ذات الخطأ، عندما لم نرد في حينه واتخذنا سياسة الاحتواء".
وأوضح الجنرال، أنّ سياسة ضبط النفس "كلفت "إسرائيل" موجة عمليات ومئات القتلى والجرحى"، لافتًا إلى أنّ "حملة "السور الواقي" (عملية عسكرية واسعة قام بها جيش الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة بتاريخ 29 آذار/ مارس 2002 في محاولة للقضاء على الانتفاضة الثانية) لو بدأت من قبل لوفرنا قتلى وجرحى؛ يجب على الحكومة أن تتعلم من ذات الدرس".
وأشار إلى أنّ "للمجتمع اليهودي دورًا في منع هذه الانتفاضة عبر إظهار المناعة الاجتماعية، ومعرفة العدو، وإسناد قوات الأمن والجيش بما يحقق حرية عملها". ودعا إيندور الحكومة الحالية برئاسة نفتالي بينيت إلى "إقامة الحائط الحديدي الذي تحدث عنه جابوتنسكي (زئيف فلاديمير جابوتنسكي؛ هو قيادي في الحركة الصهيونية ولد في أوكرانيا عام 1880)"، محرضًا على العرب في الداخل المحتل عام 1948.
ورأى ايندور، أنّه من "السخافة والوقاحة" المطالبة بإجراء تحقيق في إعدام جيش الاحتلال مراسلة قناة "الجزيرة" الصحفية شيرين أبو عاقلة، وكذلك التحقيق في الاعتداء على جنازتها، وفق تعبيره.
وبيّن أنّ أن التحقيق مع عناصر الشرطة الذين اعتدوا على الجنازة سيدفع غيرهم "للخوف من العمل والنتيجة ستكون زجاجات حارقة وإطلاق نار"، وفق قوله. وحذر الجنرال الإسرائيلي، بشدة من "تعطيل القدرة على فرض النظام (قمع المظاهرات الفلسطينية المطالبة بإنهاء الاحتلال) في المستقبل وترك المجال للعمليات".