خسائر بملايين الدولارات للباحثين عن الحب في الإنترنت
نساء وحيدات يبحثن عن لحظة حب ودفء وأمان، ورجال وجدوا أنفسهم فجأة من دون زوجة ولا أولاد، عالم من الوحدة والعزلة.. كبار في السن على الأغلب كما تبيّن الإحصائيات، وهم تلك القلوب الوحيدة التي تعيش ما يسمى بالسنوات الذهبية في الحياة، وتبحث عن الحب في وقت فاتهم فيه قطار العمر أو يكاد، وهؤلاء بالضبط أهداف عمليات النصب والاحتيال الرومانسي وضحاياها في أغلب الأحيان.
وتظهر الأبحاث أن الاحتيال الرومانسي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، والأمر لا يقتصر على كبار السن وإن كانوا الأكثر تعرضا، ولكن حتى الأشخاص الأصغر سنا الذين يشاركون الكثير من شؤونهم الخاصة على مواقع المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يصبحوا أهدافا لخدع الحب وشباك الاحتيال.
الاحتيال الرومانسي هو مواقف يتبنى فيها المجرم هوية مزيفة على الإنترنت لكسب عاطفة الضحية وثقتها، ثم يستخدم المحتال وهْم العلاقة الرومانسية للتلاعب بالضحية أو سرقة ما لديها، ومحتالو الرومانسية هم خبراء في الظهور بمظهر حقيقي وصادق، وقادرون على إبداء التعاطف والحب والاهتمام لضحاياهم.
اصطياد القلوب الوحيدة
ويوجد هؤلاء المحتالون في معظم تطبيقات المواعدة ومواقع التواصل الاجتماعي، ويبلغ عدد تطبيقات المواعدة في العالم أكثر من 1500 تطبيق، وفقما ذكرت منصة "توب تال" (toptal)، وهي في ازدياد مستمر، علاوة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي تعتبر مكانا ممتازا لاصطياد القلوب الوحيدة.
وأشهر تطبيقات المواعدة التي يتم استخدامها هي "تيندر" (Tinder) و"بادو" (Badoo) و"بامبل" (Bumble) و"هابن" (Happen) وغيرها الكثير من التطبيقات. وبلغت الإيرادات المالية التي تجنيها هذه التطبيقات 5.61 مليارات دولار في العام الماضي 2021، حسب ما ذكرت منصة "بيزنس أوف أبز" (BusinessOfApps) في تقرير لها مؤخرا.
والهدف الرئيسي للمحتالين الذين يتخذون من هذه المواقع والتطبيقات مقرا لهم، هم أولئك الأشخاص الوحيدون الذين يبحثون عن الحب للتخلص من عزلتهم، وهؤلاء كثر ويملؤون الفضاء الإلكتروني، كما تؤكد رابطة المتقاعدين الأميركيين، لكن البحث عن النعيم الرومانسي عبر الإنترنت يمكن أن يكون له مضاعفات وتكاليف مالية ومعنوية كبيرة، كما تقول الرابطة، وبالذات للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما.
إيمي تخسر 300 ألف دولار
وقصص النصب والاحتيال الرومانسي كثيرة ولا حصر لها، وهي تحدث في كل مكان في العالم، وفي كل يوم، وبعض من هذه القصص شهيرة جدا، مثل "حكاية إيمي" (Amy) وهي سيدة أميركية (57 عاما)، توفي زوجها بمرض السرطان، ورحل أولادها بعد أن كبروا وبدؤوا حياتهم الخاصة بهم بعيدا عنها، لتبقى إيمي وحيدة في منزلها الكائن في إحدى البلدات الصغيرة بولاية فيرجينيا الأميركية.
بعد سنة من وفاة زوجها، سجلت إيمي في واحد من أقدم مواقع المواعدة في العالم وهو موقع "ماتش.كوم" (match.com)، وتعرفت على "دوين" الذي أكدت خوارزميات الموقع أنه رجل مثالي لها بنسبة 100%.
أخبرها دوين أنه بريطاني الأصل (هذه نقطة ضعف كبرى للأميركيات) ولد في مدينة مانشستر، ويعيش شمال هوليود بولاية كاليفورنيا، ولكنه موجود حاليا في ماليزيا بسبب العمل.
وفي الحقيقة وبعد سلسلة من الرسائل والمحادثات، افتتنت إيمي تماما بدوين، ووجدت أنه الرجل الحلم بالنسبة لها، وأخذا يتبادلان الرسائل بشكل شبه دائم، ويتحدثان عبر الهاتف المحمول لأوقات طويلة أيضا، وقد سحرت إيمي لكنته الإنجليزية، وزاد افتتانها حين أخذ يرسل لها باقات الورد إلى منزلها، مع رسائل قصيرة بالغة الأثر من مثل "إن حياتي لم تكن شيئا قبل أن ألتقيك"، هذا إضافة للأغاني العاطفية التي تعبر عن مقدار حاجته وحبه وشوقه لها.. لقد شعرت أنها تعيش في حلم رومانسي لم يكن يخطر لها على بال، وأن الله قد استجاب أخيرا لصلواتها.
بعد بضعة أسابيع من الغرام المشبوب اتفقا على اللقاء، لكنه أخبرها أنه يحتاج لمبلغ 8 آلاف دولار كي يدفع رواتب موظفيه، وأنه سيعيد لها المبلغ حين يلتقيها بعد أسبوع من الآن.
أرسلت إيمي المبلغ، ولكنه بعد أسبوع أخبرها أن إدارة الهجرة في ماليزيا احتجزته وطلب مبلغ 10 آلاف دولار لرشوة مسؤولي الهجرة بسبب انتهاء صلاحية التأشيرة، وأرسلت إيمي له المبلغ.
وحتى لا نطيل عليكم، فقد بلغ مجموع الأموال التي حولتها إيمي إلى دوين خلال بضعة أشهر -قبل أن تكتشف الخديعة- أكثر من 300 ألف دولار، ومع هذا فلم يلتق بها قط، حيث كانت تحدث معه دائما "كارثة" ما قبل كل موعد للقاء، وكانت هذه الكارثة تحتاج للمزيد من المال لحلها.
استهداف كبار السن
تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي هي مناطق صيد رئيسية للمحتالين الرومانسيين، حيث يتواصل الخاطبون المزيفون بأعداد متزايدة مع الضحايا المحتملين. وقفزت الشكاوى من عمليات الاحتيال الرومانسية التي أرسلتها لجنة التجارة الفدرالية الأميركية من 11 ألفا و235 حالة عام 2016 إلى 53 ألفا و593 حالة عام 2020.
وتجاوزت الخسائر المبلغ عنها 300 مليون دولار، بزيادة 4 أضعاف تقريبا عن الفترة نفسها. ويبدو أنه كلما كان الهدف الرومانسي أكبر سنا، زادت الخسائر المالية، وحسب لجنة التجارة الفدرالية فقد كان متوسط الخسارة الفردية من احتيال رومانسي للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاما 9475 دولارا أميركيا مقارنة بـ2500 دولار لجميع الفئات العمرية الأخرى.
وهناك خطر آخر في عمليات النصب الرومانسية وهو أنها يمكن أن تقود الضحية إلى أعمال إجرامية محتملة أيضا، إذ تستخدم العصابات الإجرامية الدولية مواقع المواعدة لتجنيد ما يسمى بـ"بغال الأموال" (Money Mules) عن غير قصد لغسل الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة من خلال حساباتهم المصرفية أو غير ذلك من الوسائل.
وكلفت عمليات الاحتيال الرومانسية الأميركيين ما يقرب من 350 مليون دولار العام الماضي 2021، وفقًا للباحث في الأمن السيبراني إدفارداس غاربينيس. وقد تكون التغييرات الاجتماعية الجذرية التي فُرضت منذ الوباء سببا رئيسيا في ازدياد هذه العمليات، حسب ما ذكرت منصة "تيك نيوز وورلد" (TechNewsWorld) في تقرير لها مؤخرا.
أثر كوفيد-19
كان العامان الماضيان من أكثر الأعوام وحدة بالنسبة لكثير من الناس، وقال غاربينيس إنه بالنسبة لأولئك الأشخاص الوحيدين والمحتاجين للحب والعطف، فلن نستغرب ارتفاع الاحتيالات الرومانسية في هذه الفترة. وأشار إلى أن الناس لم يعتادوا على البقاء بمفردهم خلال عام 2020، ولم يتحسن الأمر في العام التالي، إذ أكد الكثير من الناس أن عام 2021 كان أسوأ من سابقه.
وكشفت دراسة أميركية استقصائية حكومية عبر الهاتف أجريت مؤخرا على 11 ألف عضو في برنامج "ميدي كير" (Medicare)، أن 40% من المستطلعة أراؤهم أقل ارتباطا اجتماعيا بالعائلة والأصدقاء مما كانوا عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقد أرست هذه النتائج الأساس لارتفاع مثير للقلق في الاحتيال الرومانسي، إذ سمحت هذه الحالة من العزلة للمحتالين بتنفيذ احتيالات رومانسية على نطاق واسع، كما ذكر التقرير السابق.
خسائر بملايين الدولارات
يقود غاربينيس مهمة فحص مشهد الجرائم الإلكترونية المتطور باستمرار لإبلاغ الجمهور بأحدث التهديدات عبر الإنترنت، وقد دفعه ذلك إلى نشر مدونة خاصة به على موقع "أتلاس في بي إن" (AtlasVPN) في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي لتنبيه العملاء وتحذيرهم من المخاطر الكبيرة التي تحتويها منصات المواعدة الإلكترونية.
حلل غاربينيس بيانات لجنة التجارة الفدرالية، ونشر ملخصه الخاص عن التهديد المتزايد لأولئك الذين يبحثون عن الحب عبر الإنترنت، إذ ذكر أن الضحايا فقدوا ما يزيد عن 343 مليون دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021، وفقما ذكر غاربنيس، موضحا أنه حتى الآن لا توجد بيانات متاحة عن الربع الرابع من العام الماضي.
وأوضح غاربينيس "بناءً على المعلومات المتوفرة لدينا، من الآمن افتراض أن عمليات الاحتيال الرومانسية تسببت في أضرار تقدر بنحو 500 مليون دولار على مدار العام الماضي بأكمله".
ولعل الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة هو أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و69 عاما خسروا أموالا أكثر بكثير من جميع المجموعات الأخرى في العامين الماضيين، إذ ارتفعت خسائر جرائم الاحتيال الرومانسي بين الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر من 84 مليون دولار تقريبا عام 2019 إلى حوالي 139 مليون دولار عام 2020.
وهذا لا يعني أن الفئات العمرية الأصغر سنا كانت محصنة ضد الاحتيال الرومانسي، فقد خسر الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و59 عاما نحو 130 مليون دولار أميركي في عام 2020، كما خسروا 187 مليون دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي 2021، وهو ما يمثل نسبة نمو بلغت 44% عن العام الذي سبقه، حتى من دون تسجيل بيانات خسائر الربع الرابع من ذاك العام.
وباختصار، تعاني جميع الفئات العمرية من الاحتيال الرومانسي على تطبيقات المواعدة ومواقع التواصل الاجتماعي.
النساء أكثر عرضة للاحتيال من الرجال
وجد تقرير أعدته منظمة "سكام واتش" (ScamWatch) عن الاحتيال الرومانسي في أستراليا عام 2021 ونشرته منصة "كومبير تيك" (CompariTech) مؤخرا، أن النساء كن أكثر عرضة للاحتيال الرومانسي من الرجال، إذ وجد التقرير أن 54.9% من الذين تعرضوا لهذا الاحتيال كانوا من النساء، و43.3% كانوا من الرجال.
وكان هناك تفاوت أكبر من حيث الخسارة المالية، فقد خسرت النساء 21.5 مليون دولار (حوالي 75% من الإجمالي)، في حين خسر الرجال حوالي 7 ملايين دولار. وفي الحقيقة، فإن النساء كن أكثر عرضة للاحتيال الرومانسي في مختلف دول العالم وليس في أستراليا فقط، كما أوضح التقرير.
نصائح هامة لتجنب الاحتيال
يقدم مكتب التحققات الفيدرالي مجموعة من النصائح الهامة لتجنب الخداع من قبل المحتالين الذين يستخدمون وهم العاطفة والثقة للتلاعب أو السرقة من ضحاياهم، ومن أهمها:
يستخدم المحتالون التفاصيل التي تشاركها على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع المواعدة لفهمك واستهدافك بشكل أفضل، فكن حذرا في المعلومات التي تقدمها عن نفسك في هذه الوسائل.
إذا ما وردتك رسالة إعجاب من شخص ما، لا تندفع أو تتحمس، بل اذهب ببطء واسأل الكثير من الأسئلة.
استخدم البحث عبر الإنترنت للتأكد من صورة الشخص، ولمعرفة ما إذا تم استخدام صورته وملفه الشخصي في مكان آخر.
احذر إذا طلب منك الفرد بسرعة ترك خدمة المواعدة أو موقع التواصل الاجتماعي للتواصل مباشرة عبر الهاتف أو الواتساب الشخصي الذي تملكه.
احذر من إرسال صور غير لائقة أو المشاركة مع ذاك الشخص في محادثات عبر الفيديو تظهر بها بشكل غير لائق، كما احذر تماما من تقديم أي معلومات مالية عنك، أو معلومات شخصية يمكن استخدامها لاحقا لابتزازك.
كن متشككا في الوعود باللقاء شخصيا التي يتم إلغاؤها دائمًا بأعذار مختلفة.
ومهما كانت الأسباب والحجج، لا ترسل أموالا أبدا إلى أي شخص تواصلت معه عبر الإنترنت.