يزيد كوفيد-19 من تفاقم حالة عدم اليقين بشأن الحاضر وليس فيما يخص المستقبل وحسب
أطباء بلا حدود -الخليل- يُعرّض تفشي وباء كوفيد-19 الحالي الناس لمخاطر عدة.
إذ أنه من الممكن أن نصاب بالفيروس ونعدي الآخرين, وقد نضطر إلى عزل أنفسنا أو أن نمتنع عن رؤية أفراد عائلتنا في المستشفى دون حتى أن نتمكن من زيارتهم أو تقديم الدعم لهم، وفي أسوأ الحالات، قد نفقد أحباءنا من دون أن نتمكن من إقامة شعائر الدفن والجنازات. قد يفقد الناس أيضًا وظائفهم ويواجهوا صعوبات مالية. لكن في فلسطين، لقد أصبح من الصعب جدًا على الناس التعامل مع هذا الوضع خاصة في ظل العيش تحت الاحتلال. هنا، أدى الوباء إلى تفاقم مشاعر القلق والإحباط وعدم اليقين، ليس فقط بشأن المستقبل ولكن أيضًا بشأن الحاضر.
لقد أصبح من الصعب جدًا على الناس التعامل مع هذا الوضع
يزيد كوفيد-19 من تفاقم حالة عدم اليقين بشأن الحاضر وليس فيما يخص المستقبل وحسب
أدى تفشي الفيروس إلى القيام بإغلاقات شديدة في الخليل، الاضطرار للعيش بقدرة محدودة على الحركة أمر صعب في كل ركن من أركان العالم، ويتُرجم هذا أيضًا هنا في فلسطين من خلال وجود قيود صارمة على العمل، حيث يعمل العديد من الفلسطينيين في إسرائيل. وبالنسبة للكثيرين منهم، فإن عدم قدرتهم على إعالة أسرهم والصعوبات في شراء الطعام أو الأدوية يسبب لهم الكثير من التوتر. كما تمثل وصمة العار المرتبطة بالإصابة بالفيروس وما يعنيه ذلك في المجتمع مصدر قلق إضافي. وإلى جانب التسبب في الرفض وزيادة العزلة، فإن الإصابة بمرض كوفيد-19 يمكن أن يقلل بشكل أكبر من الفرص النادرة أصلا للتغلب على الوضع الاقتصادي الصعب.
تحديات تقديم الدعم النفسي في أوقات انتشار كوفيد-19
تقدم منظمة أطباء بلا حدود الدعم النفسي منذ سنوات في مدينة الخليل، ولكن دفعتنا جائحة كوفيد-19 إلى تعديل التدخل الذي ننفذه. بالإضافة إلى تعديل الفئة المعتادة للسكان المستهدفين، أي أولئك الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية المرتبطة بالعنف. بدأنا تقديم استشارات هاتفية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل الضغط النفسي والقلق بسبب الوباء من خلال خط ساخن مجاني لمنطقة الخليل، حيث يتلقى المتصلون الدعم من مستشارينا والأطباء النفسيين. نستهدف بعض الفئات المتضررة بشكل خاص من تفشي المرض أيضًا، مثل الطواقم الطبية، أو المرضى المصابين بكوفيد-19 وأقاربهم، أو الأشخاص في الحجر الصحي. هدفنا هو مساعدتهم على تعزيز آليات التأقلم لمواجهة هذا الوضع الجديد.
يرافق الاستشارة النفسية عبر الهاتف بعض التحديات، إذ قد يكون من الأصعب ضمان السرية وتوفير مكان خاص آمن للتحدث بحرية حيث يعيش معظم مرضانا في المنزل مع عائلاتهم، دون أي خصوصية تقريبًا، مما يجعل التحدث بصراحة عن المشاعر والتجارب المؤلمة عبر الهاتف أمرًا غير مريح أبداً.
تُلاحظ هذه المشكلة بشكل خاص لدى ضحايا العنف المنزلي أو العنف الجنسي، أو المرضى الذين يعانون من اضطرابات شديدة تزيد من أهمية التواصل الوثيق مع المعالج. من خلال أنشطتنا، فإننا نحاول مساعدة المستفيدين من خدماتنا على استعادة بعض الإحساس بالروتين والحياة الطبيعية، حتى يتمكنوا على الأقل من العثور على بعض الاستقرار في هذه الأوقات المضطربة. يتمثل أحد التحديات الكبيرة الأخرى في العلاجات الجماعية التي يتم إجراؤها عبر الهاتف هو أنها تتطلب أن يعيش كل الأشخاص المشاركين في نفس المكان.
وإذا تم إجراؤها عبر منصة اجتماعات افتراضية، فإنها تتطلب اتصالًا جيدًا بالإنترنت ومعرفة بالتقنيات الجديدة، والتي لا يمتلكها المستفيدون دائمًا. كان التحدي الإضافي هو متابعة مرضانا من الأطفال (حوالي ثلث المستفيدين لدينا في المعتاد)، وهو الأمر الأكثر صعوبة عن طريق العلاج عن بعد. وفي هذه الحالات، طلبنا من والديهم أن يشاركوا بشكل أكبر في العلاج لأنهم يشكلون جسور تواصل أساسية بين المعالج والمريض. على الرغم من كل هذه المشاكل، تمكن فريقنا من إجراء أكثر من 70 جلسة استشارة وعلاج نفسي في الأسبوع، بالإضافة إلى جلسات إسعافات أولية محددة لـ 60 مستفيدًا إضافيًا كل أسبوع.
هدفنا هو الاستمرار في التواصل مع مرضانا والتأكيد على أننا هنا للمساعدة حتى يتمكنوا من التواصل. تقدم منظمة أطباء بلا حدود الدعم النفسي في الخليل منذ عام 2001 للأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية نتيجة للعنف. وتوفر منظمة أطباء بلا حدود الدعم في مجال الصحة النفسية من خلال الزيارات المنزلية والجلسات الفردية والجماعية وجلسات العلاج النفسي في جميع أنحاء المنطقة.
منذ أن تم تسجيل حالات كوفيد-19 لأول مرة، قامت فرقنا بمواءمة الأنشطة لتستمر في تقديم الدعم النفسي للأشخاص المحتاجين عبر الهاتف. وفي محافظة الخليل، بدأ فريق منظمة أطباء بلا حدود في تقديم المشورة عن بعد لدعم بعض الأشخاص الأكثر تضرراً من تفشي مرض كوفيد-19، مثل المرضى وعائلاتهم والعاملين في المجال الطبي وعائلات الأسرى.
وفي الوقت نفسه، يشارك الفريق في الجهود المبذولة للحد من انتقال العدوى في المجتمع من خلال توزيع أدوات النظافة على الأسر المتضررة والقيام بأنشطة التوعية الصحية والصحة النفسية. يركز هذا المشروع على الصحة النفسية، ولكن من الواضح أننا بحثنا عن طرق إضافية لدعم السلطات واللجان المحلية والمنظمات الأخرى من خلال توزيع مجموعات النظافة وإجراء جلسات التوعية والوقاية من فيروس كورونا لمساعدة المجتمع على حماية نفسه من الفيروس.
كتب هذا المقال أمبارو فيلاسميل، أخصائية نفسية في مشروع الصحة النفسية في الخليل الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود. بدأت أمبارو عملها في الخليل عام 2019 وهي جزء من الفريق الذي يقدم الدعم النفسي عن بعد للأشخاص المتضررين من تفشي كوفيد-19