لا "واسطة" في وظائف الإعلام
كالسرطان في الجسد تفشت ، ومن ظاهرة إلى ثقافة أهلكت المجتمعات خاصة العربية منها ، أضحت مشهورة " بالواسطة " ، او ما يرفقها البعض بالمحسوبية ، وتلك إحدى أخطر عوامل تقاعس النهوض والازدهار ، وتطور المجتمع المتفشي بها .
يعيش طلبة الجامعات بشتى التخصصات حياة يحاولون من خلالها شق السبيل في الحصول على المعلومة ، وتحقيق الفائدة المادية المرتبطة بالتوظيف ، والتي ستعود عليهم جراء التعلم عقب التخرج ، وهذا الهدف يصعب إنكاره بالنسبة لطلبة الجامعات او مثلهم .
وان اخطر ما يواجه الطالب الخريج ، وما يهدم قصر أماله بالنسبة له هو عدم ايجاد فرصة في سوق العمل ، خاصة بعد قضاء أعوام دراسية تأخذ من وقته ، وماله ، وسنين عمره ، أبرزهم الطلبة المتفوقين المعنيين في جامعاتهم ، وفي نتائج مقابلات التوظيف المختلفة ، كالتربية والتعليم مثلًا .
لقد " أظهر أكبر مقياس للفساد على مستوى العالم للعام 2013، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية بالتعاون مع مؤسسة أمان (الفرع الوطني للمنظمة)، أن 85% من الفلسطينيين أفادوا بأهمية وتأثير استخدام العلاقات الشخصية (الواسطة والمحاباة) في الحصول على الخدمات العامة " ما يعني ان المجتمع الفلسطيني يعاني من انتشار " الواسطة " ، وهو ما لا يخدم حقيقة تطبيق خطط المؤسسات التي تروج التقدم والفلاح للمواطنين ، اي انه لن يكون العمل تحت مظلة المهنية ولا الأخلاقية ؛ فالرجل المناسب ليس في مكانه .
ان اتساع مدى التعامل بالواسطة يزيد من التأثير ، وإلحاق الضرر الفادح ، وهو ما يعني تهديد المواهب والأفكار الإبداعية والتفوقية بالانقراض ؛ جراء الالتفاف عليها ، وتنحية الكفاءات وعدم اتاحة الفرص لها لسد ثغرات عطش حارة السقايين ، في عمليّة نزع للقلب الإداريّ أو المسئوليَّة الإداريَّة وما يصاحبها من امتيازات من شخص جَدير، ذو أَهليَّة .
"عامِلٌ كُفء" ، هذا ما يجعل حدًا " للواسطة " ؛ فقد يكون التعامل بالمحاباة مانحًا مكانةً للعمل في كثير من المجالات ، أو التخصصات العملية والوظيفية التي يمكن ان تُخفى فيها عيوب المُتَوَسّط لهم ، لكن ماذا حال الواسطة في الإعلام ؟
الإعلام بشتى وسائله المرئية ، المسموعة ، المقروءة ، موجهٌ للجمهور ، وهنا الجمهور يعد بمثابة لجان تحكيمية يومية، او عند كل مادة إعلامية تبث على الهواء ، او تخرج في الكتب والصحف ، لا يمكن ان يكون ساترًا للعيوب العملية ، او مضللًا الناس عن اخطاء العمل ؛ فكيف لمذيع ان يكون مقدما لبرنامج ما ، ولا يجيد القراءة السليمة ، والأسلوب ، والثقافة ، وسرعة البديهة ، والأفكار ؟ او كيف سيلقي علينا نشرة الأخبار ، او تحريرها كما في الصحف دون سلامة لغوية كأقل مقياس ؟ فالمؤسسات التي تقبل العمل بذلك ، يعني انها ستبحث عن نفسها في كوب غير الارض ؛ علّها تجد ما نسبته من متابعين ، ومشاهدين .
ان المؤسسة الإعلامية المتقدمة ، الطاعنة في سن العمل ، لا تقبل التعامل " بالواسطة والمحاباة " ، فلن يجرؤ مالكها ، ولا مديرها ان يفسد صيت مؤسسته ، بتوظيف ابن عمه او خاله اي احد أقاربه او المعارف ، على حساب من هو إبن وكُفء المهنة ، والذي خاض غمار التعليم ليستطيع مَقدِرة الظهور أمام الكاميرا او المايك .. مخاطبا الآلاف او الملايين من المتلقيين ، والأبرز أن الجمهور المتلقي أكثر توعوية ، وعلما ، وملاحظة مما كان عليه منذ بدايات ظهور وسائل الإعلام ، أي الحديث .
ينبت المذيع المتمكن ثمار العراقة ، والعمل الإبداعي لمؤسسته ، وان سالنا الجمهور المتلقي من مالك ، او مدير فضائية ما ؟ سيذكر إسم اشهر المذيعين المؤثرين ، فيما قد لا يخطر في مخيلته مالكها ، او مديرها .
✍ : محمد عادي