قوات الاحتلال تقتحم مدينة جنين يونيسف: العدوان الإسرائيلي على غزة كابوس لأطفال غزة الجالية الفلسطينية في بريمن ترحب بإصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت مستوطنين يكسرون أشجار حمضيات في ديراستيا الصحة العالمية: استشهاد 226 عاملا صحيا ومريضا في لبنان خلال 13 شهرا سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار "الجنائية الدولية" بحق نتنياهو وغالانت الأمم المتحدة": 2024 الأكثر دموية للعاملين الإغاثيين جراء العدوان على غزة إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال بلدة قصرة جنوب نابلس الاحتلال يعتقل مواطنين أحدهما من ذوي الإعاقة في الخليل كاتس يعلن التوقف عن إصدار أوامر اعتقال إداري ضد مستعمرين إرهابيين الاحتلال يعتقل شابا عند مدخل إذنا ويقتحم بيت عزاء في قرية الكوم بالخليل شهيدان في قصف للاحتلال على مخيم النصيرات الصين تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت الاحتلال يقتحم الخضر جنوب بيت لحم صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة شمال اسرائيل بعد تسلل مسيرة

قطرةٌ في مستنقع

بقلم - دنيا إرفاعية

إنَّ النِّفطَ يُباعُ بأغلى الأسعارِ في سوقٍ عالميَّةٍ منضبطة، بينما يُباعُ الإنسانُ بأرخصِ الأثمانِ في سوقٍ سوداءَ حُرّة، أمّا السِّلاحُ الَّذي يُقتَلُ بهِ الإنسانُ؛ فيُباعُ بصفقاتٍ تجاريَّةٍ ضخمةٍ تُشَكِّلُ موردًا أساسيًّا للدُّوَلِّ الَّتي تُصَدِّرُهُ، ولا تستطيعُ أن تستورِدَهُ غيرُ الدُّوَلِ الثَّرِيَّةِ.

هذهِ المفارقةُ العجيبةُ صنعتها غُرَفُ السِّياسَةِ هذا المُستَنقَعُ القَذِرُ الَّذي خلقَهُ الإنسانُ وجعلَ الإنسانَ أسهلَ الصَّفَقاتِ في عالَمِهِ. كُلُّها مُفارَقاتٌ خلقَتْها أهواءُ البشرِ ومصالِحُهُمْ، وأكبرُ المتضرِّرينَ منها هُمُ البشر، العدلُ والاستقرارُ والسَّلامُ، كُلُّها مصطلحاتٌ برّاقَةٌ تومِضُ مثلَ أطيافِ الخيالِ في أذهانِ البشرِ فلا يجِدونَ لها سبيلًا أو أثر.

في ظِلِّ الحديثِ عن قضِيَّةِ اغتيالِ الصََّحفيِّ السُّعودِيِّ (جمال خاشقجي) الَّذي غادرَ دُنيانا بعدَ اختفائِهِ في قنصليَّةِ بلادِهِ في إسطنبول، إذ دخلَها للحصولِ على ورقةٍ تثبِتُ انفصالَهُ عن زوجتِهِ السّابقةِ ولكنَّهُ لم يعُدْ، فتسابقَتْ وسائلُ الإعلامِ بينَ بعضِها على استقصاءِ الحقائقِ حولَ الجريمةِ واكتشافِ ملابساتِها، هذا الحَدَثُ الَّذي شغلَ النّاسَ في مشرِقِ الأرضِ ومغرِبِها، يطرحُ أسئلةً على المتفائلينَ: هل سيدفعُ الجُناةُ الحقيقيّونَ ثمنَ الجريمة؟ هل ستخسرُ السُّعودِيَّةُ كثيرًا على المستوى الدبلوماسي؟

والأهمُّ من ذلك هل سيخسرُ ابنُ سلمانَ عرشَهُ؟ الجواب: لا... لقد ذهبَ المتفائلونَ بأوهامِهِم كثيرًا إلى أنَّ قدمَ الأميرِ ستزولُ عن ولايَةِ العهدِ، وإلى أنَّ السُّعوديَّةَ ستشهدُ عقوباتٍ وتدهورًا في العلاقاتِ معَ كُلٍّ منَ الولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّةِ وتركيا، وأنا أقولُ: لا ضَيْرَ في أن يبحثَ هؤلاءِ عنِ العدالةِ المفقودة، ولكنَّ الواقِعَ أقوى منّا ومنهم.

إنَّ الَّذي يفقهُ الواقِعَ البشريَّ ولو قليلًا، يعلمُ أنَّ أشلاءَ هذا الرَّجُلِ الَّذي قُطِّعَت أوصالُهُ وهوَ لا يزالُ على قيدِ الحياةِ؛ قطرةٌ من سيولِ الدِّماءِ الَّتي يفوحُ بها مُستَنقَعُ السِّياسَةِ ليسَ إلّا، نحنُ لا نعيشُ في المدينةِ الفاضِلة؛ حتى يزولَ عرشُ ابنِ سلمانَ لأنَّهُ المسؤولُ عن هذهِ الجريمة؛ وإن كانت كُلُّ الأدلَّةِ تُدينُهُ، ها هيَ السّعوديَّةُ تخرجُ بروايةٍ غريبةٍ مفادُها أنَّ (خاشقجي) ماتَ نتيجةَ حوارٍ تحوَّلَ إلى شجارٍ واشتباكٍ بالأيدي، بعدَ أن صرَّحَتْ أجهزةُ الأمنِ والإعلامِ التُّركِيَّةِ بوجودِ تسجيلاتٍ صوتيَّةٍ تثبِتُ تعذيبَ الرَّجُلِ وتقطيعَهُ على أنغامِ الموسيقى.

وها هوَ المجرمُ نفسه، يُشرِفُ على لجنةِ تحقيقٍ وزاريَّةٍ ستخرُجُ علينا بعدَ أيّامٍ بروايةٍ أخرى أكثرَ سخافةً وتدليسًا، ويُقيلُ ويغيِّرُ في جهازِ المُخابَراتِ لِيُسكِتَ الضَّجيجَ من حولِهِ، ويُحافِظَ على بقائِهِ على العتبةِ الَّتي تفصِلُهُ عنِ المُلْكِ، وهوَ مستعدٌّ لِيَبذُلَ الغالي والنَّفيسَ من أجلِ ذلك. الإسرائيليّونَ يحتاجونَ إليهِ كي يساعِدَهُم في الخروجِ من عُزلَتِهِم وتطبيعِ العلاقاتِ معَ العربِ شعبيًّا ورسميًّا بشكلٍ لم يحلموا بهِ من قبلُ، وفي الحربِ على المقاومةِ الفلسطينيَّةِ الَّتي لم يبقَ منها إلّا قليل.

والمُعَسكَرُ الغربيُّ الَّذي يتشدَّقُ بحقوقِ الإنسانِ صباحَ مساء، لن يتخلّى عن صفقاتِ السِّلاحِ الَّتي تُدِرُّ عليهِ ملياراتِ الدولارات، وقد صرَّحَ بذلك ترامب نفسه.

في الحقيقة، لستُ أبني كثيرًا منَ الآمالِ على جدوى الأصواتِ الَّتي تُنادي بإقالةِ ابنِ سلمانَ وتحذِّرُ من طَيْشِهِ وتهوُّرِهِ، وإن كنتُ أتمنّى أن يكونَ ظنّي مخطئًا وموغلًا في التَّشاؤم.

لن يتغيَّرَ شيءٌ وسيبقى ابنُ سلمانَ قابضًا على الحكمِ بقبضةٍ من حديدٍ، ما دامت أروِقَةُ صُنْعِ القرارِ راضيةً عنهُ، وسيسكتُ العالَمُ وينسى بمجرَّدِ أن تسكُتَ الصَّحافَةُ وتلتهي بقضيَّةٍ أخرى. قطرةٌ منَ الدَّمِ لن تُحَرِّكَ ساكِنًا في المجتمعِ الدَّوْلِيِّ الَّذي يتفرَّجُ بِصَمْتٍ منذُ سنينَ على فيضاناتِ الدِّماءِ في اليمن.