160 منظمة دولية تدعو أوروبا لحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية فلسطين ليست للبيع.. احتجاجات أمام البيت الأبيض رفضا لتصريحات ترامب السعودية: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وسائل اعلام إسرائيلية: حكومة تل ابيب قد تطلب مغادرة قادة “حماس” قطاع غزة الاحتلال يشن حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية بعد إعلان ترامب.. أستراليا تؤيد حل الدولتين في غزة عدوان الاحتلال على مدينة طولكرم ومخيمها يدخل يومه العاشر: اعتقالات وتفجير منازل ونزوح قسري وسط تدمير واسع للبنية التحتية حماس: نرفض التصريحات الأمريكية بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة الاحتلال يعتقل متضامنة فرنسية في الخليل الاحتلال يواصل اقتحام وحصار بلدة طمون ومخيم الفارعة لليوم الرابع على التوالي الاحتلال يقتحم المنطقة الجنوبية بالخليل ويداهم منزلي أسيرين محررين لليوم الـ16: مدينة جنين ومخيمها يتعرضان لعدوان وحشي شامل عشرات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى شهيد برصاص الاحتلال شرق خان يونس الاحتلال يعتقل ثلاثة مواطنين من نابلس

قطرةٌ في مستنقع

بقلم - دنيا إرفاعية

إنَّ النِّفطَ يُباعُ بأغلى الأسعارِ في سوقٍ عالميَّةٍ منضبطة، بينما يُباعُ الإنسانُ بأرخصِ الأثمانِ في سوقٍ سوداءَ حُرّة، أمّا السِّلاحُ الَّذي يُقتَلُ بهِ الإنسانُ؛ فيُباعُ بصفقاتٍ تجاريَّةٍ ضخمةٍ تُشَكِّلُ موردًا أساسيًّا للدُّوَلِّ الَّتي تُصَدِّرُهُ، ولا تستطيعُ أن تستورِدَهُ غيرُ الدُّوَلِ الثَّرِيَّةِ.

هذهِ المفارقةُ العجيبةُ صنعتها غُرَفُ السِّياسَةِ هذا المُستَنقَعُ القَذِرُ الَّذي خلقَهُ الإنسانُ وجعلَ الإنسانَ أسهلَ الصَّفَقاتِ في عالَمِهِ. كُلُّها مُفارَقاتٌ خلقَتْها أهواءُ البشرِ ومصالِحُهُمْ، وأكبرُ المتضرِّرينَ منها هُمُ البشر، العدلُ والاستقرارُ والسَّلامُ، كُلُّها مصطلحاتٌ برّاقَةٌ تومِضُ مثلَ أطيافِ الخيالِ في أذهانِ البشرِ فلا يجِدونَ لها سبيلًا أو أثر.

في ظِلِّ الحديثِ عن قضِيَّةِ اغتيالِ الصََّحفيِّ السُّعودِيِّ (جمال خاشقجي) الَّذي غادرَ دُنيانا بعدَ اختفائِهِ في قنصليَّةِ بلادِهِ في إسطنبول، إذ دخلَها للحصولِ على ورقةٍ تثبِتُ انفصالَهُ عن زوجتِهِ السّابقةِ ولكنَّهُ لم يعُدْ، فتسابقَتْ وسائلُ الإعلامِ بينَ بعضِها على استقصاءِ الحقائقِ حولَ الجريمةِ واكتشافِ ملابساتِها، هذا الحَدَثُ الَّذي شغلَ النّاسَ في مشرِقِ الأرضِ ومغرِبِها، يطرحُ أسئلةً على المتفائلينَ: هل سيدفعُ الجُناةُ الحقيقيّونَ ثمنَ الجريمة؟ هل ستخسرُ السُّعودِيَّةُ كثيرًا على المستوى الدبلوماسي؟

والأهمُّ من ذلك هل سيخسرُ ابنُ سلمانَ عرشَهُ؟ الجواب: لا... لقد ذهبَ المتفائلونَ بأوهامِهِم كثيرًا إلى أنَّ قدمَ الأميرِ ستزولُ عن ولايَةِ العهدِ، وإلى أنَّ السُّعوديَّةَ ستشهدُ عقوباتٍ وتدهورًا في العلاقاتِ معَ كُلٍّ منَ الولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّةِ وتركيا، وأنا أقولُ: لا ضَيْرَ في أن يبحثَ هؤلاءِ عنِ العدالةِ المفقودة، ولكنَّ الواقِعَ أقوى منّا ومنهم.

إنَّ الَّذي يفقهُ الواقِعَ البشريَّ ولو قليلًا، يعلمُ أنَّ أشلاءَ هذا الرَّجُلِ الَّذي قُطِّعَت أوصالُهُ وهوَ لا يزالُ على قيدِ الحياةِ؛ قطرةٌ من سيولِ الدِّماءِ الَّتي يفوحُ بها مُستَنقَعُ السِّياسَةِ ليسَ إلّا، نحنُ لا نعيشُ في المدينةِ الفاضِلة؛ حتى يزولَ عرشُ ابنِ سلمانَ لأنَّهُ المسؤولُ عن هذهِ الجريمة؛ وإن كانت كُلُّ الأدلَّةِ تُدينُهُ، ها هيَ السّعوديَّةُ تخرجُ بروايةٍ غريبةٍ مفادُها أنَّ (خاشقجي) ماتَ نتيجةَ حوارٍ تحوَّلَ إلى شجارٍ واشتباكٍ بالأيدي، بعدَ أن صرَّحَتْ أجهزةُ الأمنِ والإعلامِ التُّركِيَّةِ بوجودِ تسجيلاتٍ صوتيَّةٍ تثبِتُ تعذيبَ الرَّجُلِ وتقطيعَهُ على أنغامِ الموسيقى.

وها هوَ المجرمُ نفسه، يُشرِفُ على لجنةِ تحقيقٍ وزاريَّةٍ ستخرُجُ علينا بعدَ أيّامٍ بروايةٍ أخرى أكثرَ سخافةً وتدليسًا، ويُقيلُ ويغيِّرُ في جهازِ المُخابَراتِ لِيُسكِتَ الضَّجيجَ من حولِهِ، ويُحافِظَ على بقائِهِ على العتبةِ الَّتي تفصِلُهُ عنِ المُلْكِ، وهوَ مستعدٌّ لِيَبذُلَ الغالي والنَّفيسَ من أجلِ ذلك. الإسرائيليّونَ يحتاجونَ إليهِ كي يساعِدَهُم في الخروجِ من عُزلَتِهِم وتطبيعِ العلاقاتِ معَ العربِ شعبيًّا ورسميًّا بشكلٍ لم يحلموا بهِ من قبلُ، وفي الحربِ على المقاومةِ الفلسطينيَّةِ الَّتي لم يبقَ منها إلّا قليل.

والمُعَسكَرُ الغربيُّ الَّذي يتشدَّقُ بحقوقِ الإنسانِ صباحَ مساء، لن يتخلّى عن صفقاتِ السِّلاحِ الَّتي تُدِرُّ عليهِ ملياراتِ الدولارات، وقد صرَّحَ بذلك ترامب نفسه.

في الحقيقة، لستُ أبني كثيرًا منَ الآمالِ على جدوى الأصواتِ الَّتي تُنادي بإقالةِ ابنِ سلمانَ وتحذِّرُ من طَيْشِهِ وتهوُّرِهِ، وإن كنتُ أتمنّى أن يكونَ ظنّي مخطئًا وموغلًا في التَّشاؤم.

لن يتغيَّرَ شيءٌ وسيبقى ابنُ سلمانَ قابضًا على الحكمِ بقبضةٍ من حديدٍ، ما دامت أروِقَةُ صُنْعِ القرارِ راضيةً عنهُ، وسيسكتُ العالَمُ وينسى بمجرَّدِ أن تسكُتَ الصَّحافَةُ وتلتهي بقضيَّةٍ أخرى. قطرةٌ منَ الدَّمِ لن تُحَرِّكَ ساكِنًا في المجتمعِ الدَّوْلِيِّ الَّذي يتفرَّجُ بِصَمْتٍ منذُ سنينَ على فيضاناتِ الدِّماءِ في اليمن.