هل انحسرت أزمة الليرة التركية؟
عزز تعهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتخصيص 15 مليار دولار كاستثمارات قطرية مباشرة في تركيا، أجواء التفاؤل السائدة هناك بمواصلة تعافي الليرة واستردادها لقيمتها أمام الدولار.
وانعكس الاستثمار القطري الذي تم الإعلان عنه عقب لقاء جمع أمير قطر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخزانة والمالية براءت البيرق أمس الأربعاء في العاصمة أنقرة؛ فورا على سعر صرف العملة المحلية حتى وصل إلى 5.6 ليرات مقابل الدولار الواحد.
وجاء الاستثمار القطري عقب سلسلة تطورات أنعشت السوق التركي وأوقفت تدهور الليرة، من بينها إجراءات خارجية مرتبطة بمواقف الدول الأوروبية من تركيا وأخرى داخلية تتعلق بإجراءات البنك المركزي التركي.
لكن الكثير من القراءات تشير إلى أنه ما زال في حكم المبكر التعرف على المسار الذي سيسلكه سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، رغم اتساع نطاق التفاؤل الحذر في أوساط المراقبين الذين توقعوا أن تواصل الليرة التركية تعافيها في ظل استمرار ذات المعطيات.
توقعات بالتحسن
ويتوقع رئيس منتدى رجال أعمال الأناضول "آسكون" حسن الجسور أن تواصل الليرة التركية ارتفاعها تأثرا بالاقتصاد التركي الذي حقق العام الماضي أعلى مستويات النمو عالميا.
وقال الجسور للجزيرة نت إن الاقتصاد التركي سيتحسن أكثر في ظل عمل أنقرة على تعزيز شراكاتها الدولية خصوصا مع بلدان العالم الإسلامي، وتنمية استثماراتها في قطاع التكنولوجيا تحديدا.
وخيمت أجواء التفاؤل على قادة الجاليات العربية الذين تداعوا إلى لقاء في مدينة إسطنبول لبحث آليات دعم الليرة التركية التي فقدت أكثر من 40% من قيمتها في الأيام الماضية.
من جهته، توقع الأمين العام لمنظمات المجتمع المدني السورية خضر السوطري أن تواصل أزمة الليرة التركية انحسارها، وأن يعقب هذه الموجة نمو كبير وتوسع في التجارة التركية مع اقتصادات كبيرة تمنح الاقتصاد التركي زخما وتنوعا جديدا تعينه على الاستغناء عن الاقتصاد الأميركي.
وعزز الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن أجواء التفاؤل بتحسن سعر صرف الليرة في الأيام المقبلة، قائلا إن الوضع الاقتصادي التركي تحسن وإنه ماض في التعافي خلال الأيام المقبلة.
انعكاس سياسي
ورجح الخبير الاقتصادي العربي عبد الرحمن الجاموس أن تواصل الليرة التركية تحسنها في مواجهة الدولار استنادا إلى خلفية تدهورها من الأساس، معتبرا أن الضغط الأميركي على تركيا كان يهدف إلى ابتزاز أنقرة بتنازلات لأبعد مدى دون السماح بانهيار الاقتصاد التركي.
لكن عبد الرحمن الجاموس حذر في ذات الوقت من إمكانية خروج الأمور عن السيطرة إذا واصل الرئيسان التركي والأميركي ممارسة سياسة "حافة الهاوية" ليبتز كل منهما الآخر، وفق تعبيره.
وقال الأكاديمي السوري المقيم بتركيا للجزيرة نت إن تراجع الليرة في الأيام الماضية يعود لعدة أسباب سياسية واقتصادية ذات أبعاد محلية ودولية، لكنه رأى أن انخفاض سعر الليرة الحالي لم يفاجئ كثيرا من المتابعين للاقتصاد التركي.
وأشار إلى أن أغلب الاقتصادات الناشئة كالأرجنتين والبرازيل وتركيا تعاني من أزمات داخلية سياسية يعرفها الجميع، وأزمات اقتصادية تكمن في الإفراط في الديون الدولارية لإشباع "هوس" تحقيق معدلات نمو اقتصادي قياسية.
وذكر أن الشركات التركية الخاصة حصلت على ديون بلغت 340 مليار دولار بفوائد عالية، تضاف إليها المطالب في البنوك التي قد ترفع المبلغ إلى 560 مليارا، في حين تشير التقارير إلى أن الديون المستحقة هذا العام تبلغ مئة مليار دولار.
وقال الأكاديمي السوري إنه يمكن الاستدلال على إمكانية تحسن الليرة من قراءة التقارير التي تقول إن إسبانياوفرنسا وإيطاليا وأميركا واليابان وإنجلترا أقرضت الشركات التركية مجتمعة مبلغ 188 مليار دولار، وتأخرت -رغم كبر هذا المبلغ- في مساندة تركيا، في مجازفة لا يمكن تفسيرها إلا كجزء من مخطط غربي (يشمل الدول الست) لتقليم أظافر أنقرة في السياسة، أي أنها "ضغوط لمستويات مستهدفة".
وأوضح أنه كان على الأتراك أن يحافظوا على الهدوء ورباطة الجأش لعدم إثارة الرعب والخوف بين الجمهور ودفعه إلى الإقبال على التخلص من الليرة، لكن ذلك لم يحصل حيث ارتكب المسؤولون الأتراك خطأ جسيما بتصوير الأمر للجمهور كحرب اقتصادية، وإن كانت فعلا كذلك.