مداهمات الجيش الاسرائيلي للمدارس وأثرها على الطلاب والمعلمين
تؤدي الأحداث السياسية الى مداهمات جيش الاحتلال لمدارس في الضفة الغربية بشكل متكرر، خاصة في المدارس التي تقع بالقرب من مناطق النزاع والمواجهات. وتعتبر المداهمات التي يقوم بها جنود الاحتلال في المدارس، والتي ترمي خلالها القوات الاسرائيلية قنابل صوتية وغازية، عاملا سلبيا، يشكل ضغطا ويؤثر نفسيا على طلاب المدارس والمعلمين وحتى من يسكن في الجوار.
وتعتبر المدرسة عادة مكانًا آمنًا للأطفال والمراهقين، ويسبب التعرض للعنف داخل هذه المنطقة، فقدان السيطرة على ما يحدث ويسبب الشعور بالخوف أو الإحباط أو الغضب.
وتترك مداهمات قوات الاحتلال للمدارس أثرا عميقا، يمتص الرفاهية النفسية من الطلاب. فعلى سبيل المثال، قد يشعر بعض الطلاب بالتوتر الشديد، فيما يشعر آخرون بالحزن وجزء آخر منهم يعزلون أنفسهم - كطريقة لتجنب الحديث عن الموضوع والهروب منه. ومن المحتمل أن يواجه الطلاب الأرق وصعوبة في النوم، بسبب الذكريات المؤلمة التي شاهدوها خلال المداهمات العنيفة، وعادة ما تظهر على شكل كوابيس وأحلام مزعجة أثناء النوم أو حتى الاستلقاء لأخذ قسط من الراحة.
وبعض الطلاب يتعرضون لفقدان الشهية، أو عكس ذلك، من خلال تناول كميات كبيرة من الطعام.
ومن الشائع شعور طلاب بالغضب أو عدم الاستقرار، والتصرف بعدوانية تجاه أفراد الأسرة أو الزملاء في المدرسة.
كما تؤدي هذه المداهمات الى فقدان الرغبة على ممارسة الأنشطة اليومية المتبعة، خاصة تلك التي كانوا يستمتعون أثناء ممارستها.
محمود 12 عامًا، لجأ مع والدته الى منظمة أطباء بلا حدود، لتلقي العلاج النفسي بعد أن شاهد أمام عينيه مداهمة مدرسته قبل شهر واحد.
وقال محمود إنه كان يجلس داخل الصف، ثم سمع أصواتًا عالية جدا وصراخًا وضجيجًا. ولم يتوقع في تلك اللحظة أن يرى عددا كبيرا من الجنود أمامه، إذ شعر بالرعب والخوف بعدما هدد الجنود اعتقال معلمه.
ومنذ هذا اليوم بدأت المخاوف تراود محمود وشعر بالخوف من الذهاب الى مدرسته كالمعتاد. وروى الفتى أنه لم يعد يخرج من المنزل للعب مع أقاربه في الحي كما كان يفعل في السابق، ورفض أيضا الذهاب الى المتجر لشراء حاجيات المنزل لوالدته.
والدة محمود قالت إن ابنها تغيّر بشكل كبير، لدرجة أنه أصبح يتشاجر مع أشقائه بدلا من اللعب معهم، وبدأ يشعر بالانفعال الزائد وعدم الاستقرار.
وأوضح محمود أن الكوابيس بدأت تراوده أثناء المنام، ويستذكر ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم. الأمر الذي أدى الى انخفاض وتيرة نومه وانخفاض في التحصيل العلمي، عقب تشتيت تفكيره وفقدان القدرة على التركيز.
منظمة أطباء بلا حدود التي أخذت على عاتقها منح العلاج النفسي والمعنوي لمحمود، أتاحت له المساحة للمشاركة والحديث عما جرى، والتعبير عن مشاعره بشكل حر. ويمكن اعتبار جميع ردود فعل محمود طبيعية، خاصة بعد مروره في بحادث صادم وصعب.
استطاع محمود الإدراك بأن الخوف هو رد فعل طبيعي، في ظل معاناة حدثت للطلاب في المدرسة في ذلك اليوم، وأدرك بأن هذا الأمر عادة ما يساعدنا على حماية أنفسنا. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للخوف أن يدوم بعد زوال التهديد أو الخطر (الحدث الصادم)، وهذا هو سبب اللجوء للعلاج، الذي يهدف الى تعديل وتوجيه ردود الفعل تجاه الوضع الحالي بدلاً من الوقوع في شرك الماضي.
أما والدة محمود فقد تم بمهارات الوالدين حول كيفية التعامل مع مخاوف طفلها، ومساعدته على إعادة اكتساب الشعور بالسلامة والأمن تدريجياً.
بعد 8 جلسات علاجية، بدى محمود أكثر قدرة على فهم سبب مخاوفه وكيفية التخلص منها. وأوضحت أمه بأن القدرة على التعبير عن مشاعره قد عادت له في معظم الأحيان، وتمكن من التواصل مع الأقارب بشكل جيد.
ماذا تفعل منظمة أطباء بلا حدود في مثل هذه الحالات؟
في مشروع منظمة أطباء بلا حدود في محافظة الخليل، تعمل المنظمة مع المدارس إما بطريقة وقائية، أو في أعقاب هذه التجارب المؤلمة المحتملة، مثل المداهمات المذكورة أو هدم المدارس أيضًا.
وبمثل الحالة الأخيرة (مداهمات المدارس)، نقدم الإسعافات الأولية النفسية للطلاب والمدرسين بعد بضعة أيام من وقوع الأحداث، لمنع التطور المحتمل أو تفاقم ردود الفعل المزعجة.
تدعم المنظمة المعلمين من خلال تزويدهم بوسائل تمكنهم من التعامل مع الطلاب في مثل هذه الحالات. أما أولئك الذين تضرروا بشكل كبير، فيخضعون للعلاج الفردي،
ونتطلع الى التقليل من هذه المعاناة العاطفية، وتعزيز الشعور بالاستقرار، من أجل العودة الى ممارسة الأنشطة اليومية بطريقة سليمة وطبيعية.
توفر المنظمة لهؤلاء الطلاب إمكانية التعبير عن مشاعرهم، وفهم كيفية تأثير هذه الحالات عليهم. ويسمح لهم بتحسين وتعزيز قدراتهم على مواجهة المواقف المختلفة بطريقة أكثر فعالية ونجاح، تعمل على تعزيز القدرة على التكيف، وتمكنهم من المضي قدما والتغلب على الشدائد والصعاب..