التهديد بهدم المنازل ... الآثار النفسية وكيفية مساعدة الأطفال في التغلب عليها
هناك عدد كبير من الأشخاص الذين نزحوا قسراً من منازلهم أو يواجهون خطر هدم بيوتهم في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وهذا بالتأكيد يؤثر بالرفاه النفسي للأشخاص المتضررين، ولا سيما على الأطفال وأيضا على المجتمع ككل.
لا تقتصر آثار هدم البيوت على الخسائر المادية، بل يمكن أن تترك أثراً نفسياً هاماً على الأسرة بأكملها خاصة الأطفال.
ومن أجل فهم الآثار النفسية لعمليات هدم المنازل على الناس، نحتاج إلى فهم المعنى الرمزي للمنزل و ما يمثله لنا. المنزل ليس مجرد مساحة لنمضي وقتنا فيه ؛ لكنه الشعور بمعنى الأمان والصلة بين افراد العائلة ، إنه في الأساس الفضاء الذي نكون فيه أنفسنا فجميعنا لدينا ذكريات مختلفة في منازلنا وأشياء شخصية لها معنى خاص بالنسبة لنا من مختلف مراحل حياتنا.
قد يتأثر الأطفال كغيرهم بعمليات التهديد بالهدم، ومن المحتمل أن يكون لديهم مخاوف بشأن ما سيحدث ، وكيف سيؤثر ذلك على العائلة، وغالباً ما يعتقدون أنهم قد يتعرضون للاعتقال أو الضرب من قبل الجنود كسائر افراد اسرتهم . كل هذه الأفكار والمخاوف يمكن أن تزيد من مستوى التهيج المفرط و العدوانية لديهم.
يبلغ سامي من العمر ثماني سنوات يقطن في منطقة مسافر يطا وهي إحدى قرى منطقة يطا في محافظة الخليل، جاء سامي للعلاج بعد ان قام الجيش باقتحام منزله لعدة مرات بالإضافة الى تسليمه إشعارا لهدم منزله ولم يتم إعطاء العائلة تاريخًا لتنفيذ الهدم.
"منذ ذلك الوقت تغيرت سلوكيات سامي؛ فبدأ يشعر بالقلق حول ما يمكن أن يحدث، وأصبح أكثر تعقيدا وعدوانية، حيث بدأ بضرب أشقائه، وتغيرت أنماط نومه وكان يستيقظ عدة مرات خلال الليل بعد أن كان يعاني من الكوابيس. كان يرفض الخروج من المنزل وأحيانا إلى المدرسة. وتأثر أداءه الأكاديمي أيضاً، حيث كانت امه تتلقى بعض الشكاوى من المدرسة تفيد بأنه لم يكن يركز خلال الفصول الدراسية وأنه غالباً ما كان يقوم بعزل نفسه عن الأخرين". هذا ما قالته ام سامي خلال مقابلة اجريناها معها.
تعتبر ردات الفعل هذه طبيعية بالنسبة لهذه الأحدث المؤلمة ، ومع ذلك ، فمن المستحسن التشاور مع أخصائي الصحة النفسية ، إذا أصبح ذلك يؤثر على الأداء الطبيعي للفرد.
ساهمت الجلسات الاستشارية التي قامت بها منظمة أطباء بلا حدود على مساعدة سامي في التغلب على هذه المشاعر والتعامل معها. خلال العلاج ، أتيحت الفرصة له للتحدث عن مخاوفه وقلقه ، ثم من خلال اللعب والرسم ، كان قادرا على التعبير عن نفسه بطريقة إيجابية ، وفهم لماذا كان يشعر بذلك ، وتحديد الطرق المناسبة لمساعدته في التعامل مع تلك المشاعر .
قامت منظمة أطباء بلا حدود بتزويد الأم بالمهارات الأبوية اللازمة، من أجل تعلم كيفية التعامل مع مخاوفها ومخاوف طفلها. لقد استطاعت استيعاب ان هناك الكثير من الامور التي لا يجب مناقشتها امام الأطفال "كهدم البيوت"، حتى لا يقومون بخلق تصورات خاطئة لما قد يحدث، كما أدركت أنها يجب أن توفر لأطفالها مساحة للتعبير عن مشاعرهم ، دون الحكم عليهم ، وأن عليها الاستماع إلى أسئلتهم وإعطائهم الأجوبة وفقًا لعمرهم و مستواهم الفكري.
في نهاية العملية العلاجية ، تمكن سامي من فهم أنه قد لا يتمكن من إيقاف عملية الهدم، ولكنه أصبح الآن أكثر قدرة على التعامل مع عواطفه والتعبير عنها بطريقة صحيحة، من خلال موارد التكيف الإيجابية التي معا كنا قادرين على تحديدها ووضعها في مكانها الملائم.