لماذا سمي شهر الصيام بـ "رمضان"
تختلف الروايات والمصادر التي تتحدث عن سبب إطلاق اسم رمضان على شهر الصوم. وتأتي أشهر رواية، لتتحدث عن ارتباط اسم الشهر رمضان بالرمض، أي بشدّة الحرّ.
والجدير بالذكر أنه لا توجد صلة لغوية ما بين الاسم القديم للشهر، وهو ناتق، مع الاسم الإسلامي لشهر الصوم، وهو رمضان. إذ تبدو المسافة الدلالية بين الاسمين، ناتق ورمضان، كبيرة للغاية، ولا يوجد أي رابط بينهما، وبخاصة إذا ما كان ناتق، إشارة إلى فعل تحريك ورفع وتضمُّن، فيما رمضان و الرمض، إشارة إما إلى حرّ شديد، أو إلى شدّة ومشقة.
من شدّة حرّ الشمس
وتأتي الرواية المتداولة عن إطلاق اسم رمضان على شهر الصوم، من الرمض، أي شدّة الحر. يقول لسان العرب إن الرمض والرمضاء، شدّة الحر. ويضيف: الرمضُ، حرّ الحجارة من شدة حرّ الشمس، وبه تسمّى الأرض رمضاء. وكذلك يمضي أقدم قواميس العربية، العين، قائلاً: الرمضُ حرّ الحجارة من شدة حر الشمس، والاسم الرمضاء. ويقول تاج العروس: الرمضاء، اسمٌ للأرض شديدة الحرارة.
لكن إطلاق اسم رمضان على شهر الصوم، وما اشتمله من معنى حرّ الشمس، لا يتّسق مع حقيقة أن هذا الشهر، قد يأتي، في أحد فصول السنة الباردة أو الماطرة. فكيف يسمّى شهر الصوم، برمضان، وقد تصوم الناس، فيه، في البرد والمطر؟
إطلاق الاسم.. مصادفة؟
هنا، تأتي الرواية الثانية، لإطلاق اسم رمضان، على شهر الصوم، كما ذكر الإخباريون العرب الذين لحظوا أن الشهر قد يقع في فصل شتاء، متناقضاً مع اسمه المرتبط بشدّة الحرّ.
تقول الرواية الثانية، وينقلها لسان العرب وتاج العروس، ومصادر أخرى، إنهم لمّا نقلوا أسماء الشهور، عن اللغة القديمة، سمّوها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحرّ وشدّته، فسمّي به.
هذه الرواية، بحسب مؤرخين عرب، قد جاءت محاولة لتبرير إطلاق الاسم أولاً، ثم تفسير سبب وقوعه في فصل شتاء بارد، متناقضا مع اسمه. الأمر الذي أدى بدوره، لرواية ثالثة، ينقلها المؤرّخ العلامة العراقي جواد علي، في كتابه الرفيع: "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام".
العرب تعاملت بالنظام الشمسي القمري
يعترض جواد علي، على تلك الرواية القائلة بأن سبب إطلاق اسم رمضان، تصادف مع الحرّ، فسمّي به، ويرى أنها رواية غير علمية تناقلها الإخباريون العرب محاولة منهم لتفسير سبب التضارب.
ويرجّح صاحب المفصّل، وهي الرواية الثالثة، بأن العرب كانت تعتمد النظام الشمسيّ والقمري، معاً، في تعاقب تلك الأَشهُر. مؤكداً أن العرب كانت تسير على الإهلال، أي النظام القمري، في الأمور الاعتيادية، كالأعمال المالية والدّيون، حيث يسهل تثبيت المدة بعدد الأهلّة، بحسب علي، الذي رأى أن العرب سارت بالنظام الشمسي، في الزراعة والمواسم والسفر، متحدثاً، بالوقت نفسه، عن ما يعرف بـ"النسيء" وهو نظام كانت تعتمده العرب، قديماً، بتغيير مواعيد حلول بعض الأشهر، لظروف داهمة.
يقول علي: والذي أراه، أن أهل الحجاز كانوا يتبعون التقويم الشمسي، مع مراعاة الإهلال، وينحت صوغاً لذلك النظام بأنه: "تقويم شمسي قمري". ويعتبر علي، أن الدليل على كلامه، مثبت في أسماء الأشهُر ذاتها، والتي ترتبط بالجوّ والطبيعة ودرجات الحرارة. ويذكر بأن رمضان من شدّة الرمضاء، أي الحرّ، ثم يقطع بأنه لا يعقل أن تكون هذه التسميات قد جاءت عفواً، أو من غير ارتباط بحالة من حالات الطبيعة، والتي تظل ثابتة بالنظام الشمسي، فيما يدور ويتنقّل عليها، القمري، كما هو معلوم.
الرمضُ.. شدّة يختبرها حتى المعدن!
إطلاق اسم رمضان، على شهر الصوم، مرتبطاً بشدة الحرّ، أو أنه صودف إطلاق اسمه، وقت حرّ، كما نقل إخباريون ولغويون عرب كبار، أو أن اعتماد التقويم الشمسي القمري، أصلاً، يبرر إطلاق اسم الحرّ على شهر الصوم، وأن اختلاف العمل بالتقويمين الشمسي والقمري، هو الذي يوقع "رمضان" الحارّ، بفصل بارد، لا يحسم القضية لغوياً، إذ تبيّن أن الرمضَ، لا يعني فقط، شدة الحرارة، بل المكابدة والمشقّة والشدّة، وهي الرواية الرابعة.
يقول اللغوي الكبير، ابن السكيت، في "إصلاح المنطق"، إن الرمضَ مصدر رمضتُ النصلَ، أرمضه رمضاً، إذا جعلته بين حجرين، ثم دققته ليرقّ! ورمض النصل (نصل السيف مثلاً)، ودقّه ليرقّ، يتصل بحال الصائم الذي يكابد الجوع والعطش، وقد يرقّ هو الآخر، بعدما تضمر بطنه لخلوها من أكل وشرب. وهذا قد يحصل سواء في صيف أو شتاء، ولا تتغير قيمته سواء بالتقويم الشمسي أو القمري.
خاصة وأن الشدّة التي يكابدها الصائم في الصيف، هي الشدة التي يكابدها في الشتاء، مع تغيّر نوعية المكابدة، لا شدّتها، لأن اختبار البرد، يوقع الشدّة ذاتها، في اختبار الحرّ، ما خلا مكابدة العطش في الصيف، التي تعتبر الأشدّ.
يتفق لسان العرب، مع إصلاح المنطق، فيقول بالنقل: الإرماضُ (هو) كل ما أوجعَ! ويضيء على اشتقاق: "أرمضني (أي، تعني) أوجَعَني!" ثم يسهب: وارتمض الرجلُ في كذا، أي اشتدّ عليه وأقلقه.
وهكذا، لا يزال إطلاق اسم رمضان على شهر الصوم، غير مرتبط، حصراً، بشدة الحرّ، بل بالمكابدة والوجع والمشقة والشدة، فيكمل اللسان: وشهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض، إذا حرّ جوفه من شدّة العطش. وهي ظاهرة تحصل سواء كان الصوم بالشتاء أو الصيف، مع اشتداده في فصل الحر وغلبته صاحبه فيه أكثر مما يعانيه في الشتاء، إلا أن الشدة ذاتها، قائمة.
اشتقاق الرمض واشتماله على معنى المكابدة والتوجع والمشقة، يسّر استعمال الكلمة في معنى الاحتكاك أيضاً، فجاء في التاج أن الرَّمضة، (هي) المرأةُ التي تحكّ فخذُها فخذَها الأخرى.
ويلحظ ابن فارس، في مقاييسه، أن الرمضَ، أصلٌ يدلّ على "حِدّة" في شيء و"حرّ". وهو ما لحظه القاموسيون العرب القدامى، عندما رأوا معنى الحرّ وشدّته، في الرمض، وكذلك معنى المكابدة والتوجّع، منفصلاً عن الحرّ، أو متصلا به. ولهذا جاء في اللسان: أَرمَضَني، أَوجَعَني. وليس بالمصادفة، ألسنياً، أن حروف كلمة "مرض"، هي ذاتها حروف كلمة "رمض"، مع إبدال ترتيب أول حرفين. والكلمتان، بدون مصادفة، تتضمنان معنى المكابدة والمشقة والشدّة والتوجّع، ولهذا أشار القاموس المحيط، إلى أن فعل ارتمضَ، يعني الفرس إذا وثبت، ويعني الكبدَ، إذا فسدت!