ما هي أبعاد انضمام فلسطين إلى منظمة الإنتربول؟
بقلم: م. زهير الشاعر
قبل أن أبدا بالدخول إلى صُلب موضوع مقالتي هذه لابد من التعريف بهذه المنظمة الدولية، وهي الإنتربول (Interpol) هي اختصار لكلمة الشرطة الدولية (International Police) والاسم الكامل لها هو منظمة الشرطة الجنائية الدولية (International Criminal Police Organization)، وهي أكبر منظمة شرطة دولية أنشئت في عام 1923 ، حيث أنها باتت تتكون من قوات الشرطة لـ 192 دولة، ومقرها الرئيسي في مدينة ليون بفرنسا.
طريقة عملها تعتمد في الأساس على أن يتبادل أعضاء الشرطة الدولية المعلومات عن المجرمين الدوليين، ويتعاونون فيما بينهم في مكافَحة الجرائم الدولية، مثل جرائم التزييف والتهريب وعمليات الشراء والبيع غير المشروعة للأسلحة والتورط في العمليات الإرهابية. ويحتفظ أفرادُ المنظَّمة بسجلات الجرائم الدوليَّة، ويساعدون الأعضاء في النواحي العمليّة، ويقومون بتدريب وعمل استشارات لأفراد الشرطة.
وكان قد قُبِل الانضمام لدولة فلسطين وجزر سليمان إلى عضوية المنظمة التي أصبح عدد أعضائها الآن 192 بلداً عضواً، بتصويت نال أغلبية تجاوزت الثلثين في الجمعية العامة للإنتربول في دورتها السنوية الـ 86 في العاصمة الصينية بكين ، حيث صوّتت الجمعية العامة للإنتربول تأييداً لانضمامهما لهذه المنظمة.
كما اعتمدت الجمعية العامة للإنتربول أيضا قرارا تفسيريا للمادة 4 من القانون الأساسي التي تحكم المعايير التي يمكن بموجبها للبلدان تقديم طلبات انضمام إلى المنظمة في المستقبل.
ويعرض القرار مبادئ توجيهية وإجراءات كفيلة بتحقيق الشفافية والاتساق والوضوح وبمساعدة البلدان على إعداد طلبات انضمامها.
حيث يتعين على البلد الطالب للحصول على العضوية في هذه المنظمة ، أن يؤكد على أنه يستوفي شروط ومقومات الدولة ذات السيادة، وأنه درس القانون الأساسي للإنتربول وأنظمته وقواعده واستوعبها وسيتقيد بها!.
كما يجب على هذا البلد أيضا أن يحدد هيئة الشرطة الوطنية الرسمية التي ستمثله في الإنتربول، وأن يؤكد اطلاعه على وظائف المكتب المركزي الوطني.
هنا لابد من الإشارة إلى أن الإنتربول يهدف إلى تسهيل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية بين بلدان محددة، ويجري التعاون في إطار القوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما يحظر قانون المنظمة الأساسي في المادة الثالثة أي تحرك أو نشاط ذي ''طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري".
كما أن الإنتربول يهتم بمتابعة الفساد العالمي ، وهو الذي يؤثر على جميع مناطق العالم وعلى جميع مستويات المجتمع، حيث أن الفساد يمكن أن يقوض الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويهدد في نهاية المطاف سلامة وأمن الأفراد والمجتمع ككل.
فالفساد يخلق أرضية خصبة للأنشطة الإجرامية المنظمة، بل والإرهاب، لأن المجرمين يساعدون في أنشطتهم غير القانونية بتواطؤ الموظفين العموميين الفاسدين.
حيث أن العولمة الاقتصادية جعلت الفساد جريمة لا حدود لها، ويمكن للعالم التنافس في مجال الأعمال التجارية الدولية أن يترك الشركات عرضة للرشاوى والممارسات المالية الاحتيالية وتجيير المناصب الحكومية للاستفادة والمنفعة الذاتية، وبهذا يمكن للمعاملات الفاسدة أن تعبر محطات سلطات قضائية متعددة بدون حساب، مما يجعل تحقيقات الشرطة التي تلي ذلك تستغرق وقتا طويلا ومعقدة.
هنا تقوم الإنتربول بوظيفة موازية ومكملة لذلك ، حيث أنها تساعد شبكة جهات الاتصال العالمية المعنية باسترداد الأصول وإنفاذ القانون في إعادة الأموال العامة المسروقة إلى البلدان الضحية.
كما أن الإنتربول يقوم بالاهتمام بملفات تتعلق بجرائم الحرب، حيث أن الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب هي أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي. ويمكن أن يكون لها تأثير دائم مزعزع للاستقرار على سلامة وأمن المجتمعات والأمم والمناطق لعقود بعد وقوعها. ويمثل منع هذه الجرائم والتحقيق فيها وملاحقتها قضائياً، أمراً محوريا في مكافحة الإفلات من العقاب.
مما سبق يعني أن هناك ابعاداً مهمة لانضمام فلسطين لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية ، ولكنها متضاربة، منها ما يمكن تحقيقه ومنها ما هو مستحيل التحقيق نتيجة التقاطعات في الصلاحيات والمصالح ويمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً : إن كان هذا الانضمام يهدف إلى حسم الصراعات الداخلية في الساحة الفلسطينية لطرفٍ ضد طرفٍ آخر ، وتصفية الحساب بين الخصوم ، أعتقد أن الأمر سيكون شديد التعقيد وبالغ الصعوبة في التنفيذ والوصول إلى نتائج ملموسة ، خاصة أن هناك حاجة لتعاون شامل من جميع الأطراف ، وذلك لتحقيق نتائج مرجوة لصالح طرف ضد الآخر.
ثانياً : لربما أن الإيحاء كان منذ بداية الحديث عن رغبة الجانب الفلسطيني بالانضمام إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية ، بأن الهدف من وراء ذلك، هو ملاحقة مجرمي الحرب الذين تورطوا في حروبٍ ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن اليقين بأن هذا الأمر ليس وارد بالمطلق، حيث أن محكمة الجنايات الدولية وهي الجهة المختصة بذلك لم تتلق حتى تاريخه أي طلب بفتح أي تحقيق في أي ملف بهذا الشأن ، مع العلم بأنه حتى لو تم ذلك فإنه لن يتم في نهاية المطاف من خلال الإنتربول، حيث أنه بإمكان الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تعطيل ذلك، كما أشرنا بتفاصيل كثيرة حول هذا الأمر في عدة مقالات سابقة ، مما يعني أن هذا الأمر بعيد المنال، ولم يكن هو الغاية في الأساس من وراء هذه العضوية.
ثالثاً : أن أهم ما يمكن أن يقال هو إنجاز بالفعل من وراء هذا الانضمام، هو بأنه لم يكن يخطر في بال القائمين على السلطة الفلسطينية الذين سعوا للحصول على هذه العضوية كما عضويات أخرى سابقة، لتحقيق غايات في نفس يعقوب ، بأنه بالإمكان تقديم شكاوي لمحكمة الجنايات الدولية ولمجلس حقوق الإنسان وذلك من قِبَل المتضررين إنسانياً من أبناء الشعب الفلسطيني ، وذلك من السياسات القمعية للمنظومة التي تحكمه، نتيجة الفساد الذي ينخرها وتورط الكثير من أعضائها فيه، خاصة فيما يتعلق بالسفارات الفلسطينية ودور وزارة الخارجية الفلسطينية والصندوق القومي الفلسطيني في ذلك!.
لا بل بالإمكان في تقديري ويحتاج الأمر في هذه الحالة إلى وجهة نظر قانونية مختصة بالقانون الدولي ، رفع قضايا فردية ومجتمعية ضد الإجراءات الهمجية وغير القانونية لهذه المنظومة الفلسطينية ضد أبناء الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ الأبرياء والتي نجم عنها تجويعهم وحرمانهم من الدواء والعلاج، ومن أسس الحياة الطبيعية التي نصت عليها القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وضمان صون كرامته، وذلك من خلال محاميين وقانونيين فلسطينيين ودوليين لملاحقتهم قانونياً من خلال منظمة الشرطة الجنائية الدولية، وبالتالي يصبحون مطلوبين للعدالة الدولية، لا أن يبقوا عابثين بكرامة الإنسان الفلسطيني وحقوقه الإنسانية ، ويتركوا ملف الانضمام لهذه المنظمة الشرطية المهمة، كعدد زائد في الملفات المركونة في أرشيفاتهم الذي بات التراب يغطيها!.
أخيراً ، شكراً لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول على قبول فلسطين عضواً فيها، بالرغم من أنها ليست دولة ذات سيادة ، بل هي لا زالت دولة محتلة يحتكر الاحتلال وأدواته القذرة كل مقوماتها الإنسانية والحياتية، وشكراً للدول التي صوتت لصالح هذا القرار الذي ربما سيتيح للشعب الفلسطيني يوماً ما ، ممارسة حقه بملاحقة من تجرءوا على سلبه الحياة الطبيعية من قِبَل أفراد في هذه المنظومة المارقة التي تحكمه وتتحكم بمقدراته بالرغم من أنها منتهية الولاية وفاقدة الشرعية .