إحداث تغير في اقتصاد غزة مرتبط بشكل كبير بالسلطات الإسرائيليّة

قال تقرير حقوقي إسرائيلي، لجمعية "چيشاه–مسلك" الإسرائيلية، (مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية)، اليوم الجمعة، إن إحداث تغير في الاقتصاد في قطاع غزة، مرتبط بشكل كبير بالسلطات الإسرائيليّة.

وتناول التقرير ثلاثة من الجوانب الاقتصادية المتضررة من الممارسات الاسرائيلية في قطاع غزة، وهي: تكنولوجيا المعلومات، والنسيج والملابس، والزراعة. مبينا ان التقييدات الإسرائيلية بخصوص تقييد ارتفاع البضائع على منصّات النقل الخشبية (مشتاح) والتي تحدد الارتفاع الأقصى لكل منصة خشبية بـ 1.22 سم للبضاعة غير الزراعية، تجعل تكلفة نقل البضائع أكثر كلفةً.

وأشار إلى أن معظم الإنتاج الزراعي في غزة لا يزال تسويقه محظورًا في السوق الإسرائيليّة، ولا  ينبع هذا الحظر من اعتبارات صحّية. ورغم أن تسويق هذه البضائع في أسواق الضفّة الغربية مُتاح لكن وفق قائمة محدودة. وإلى أن قائمة المواد التي تعتبرها إسرائيل "ثنائية الاستخدام" تؤدي إلى إجهاض إمكانيات نموّ المصالح التجارية هناك، وتعيق إمكانية استمرار عملها كما ينبغي.

وبين، أن أصحاب المبادرات في مجال تكنولوجيا المعلومات "هاي-تيك" في قطاع غزة، ينظرون بأسف إلى كيفية خسرانهم لمناقصات كان من الممكن أن يفوزوا بها، وانتقالها إلى أيادٍ أخرى، وذلك بسبب عدم قدرتهم على الخروج من القطاع واستعراض قدراتهم ومستوياتهم العالية.

ففيما يخص تكنولوجيا المعلومات بين التقرير بعد نهاية العملية العسكرية "الجرف الصامد"، التقينا بسبعة من أصحاب شركات عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات في قطاع غزّة، وقد قدّر أولئك بأنهم يبيعون نحو 15 بالمئة من المنتجات والخدمات التي يوفرونها في الضفّة الغربية. ورغم أنه للوهلة الأولى يبدو أن هذا القطاع أقل تعلقًا بتنقّل الأشخاص، وأنه بإمكانه التغلب على الحواجز وأوامر الحظر الإسرائيلية عبر استخدام الاتصالات الإلكترونية، إلا أن التقييدات الإسرائيلية المفروضة على التنقّل قد اضطرتهم إلى استبدال أسواقهم داخل الضفّة الغربية بأوروبا وبالدول العربية، لأن سفرهم، في أفضل الحالات كان مُتاحًا عبر معبر رفح.

وقدّر المشاركون انه وفي حال أتيحت لهم ولموظّفيهم إمكانية السفر إلى الضفّة الغربية، سيكون بإمكانهم تسويق ما بين 30 إلى 40 في المئة من منتجاتهم وخدماتهم بالضفة، وهذا يعني بأنهم سيكونون قادرين على مضاعفة نسبة مبيعاتهم هنالك.

إلى جانب ذلك، فقد قدّر المشاركون بأن الشركات في غزة قادرة على توفير منتجات ذات مستويات جودة تعادل جودة المنتجات التي تعرضها شركات من الضفّة الغربية، بأسعار أكثر انخفاضًا، وذلك بسبب كَون الأيدي العاملة في غزة أقل كلفة.

وتابع: لم تحظَ صناعة التكنولوجيا والاتصالات في غزّة بالتسهيلات القليلة التي حظيت بها صناعات أخرى بعد انجلاء العملية العسكرية الإسرائيلية "الجرف الصامد". فقد خلقت التقييدات التي تفرضها إسرائيل على تنقّل الأشخاص والبضائع من غزة، رادعًا، ولم يعد زبائن من الضفّة الغربية يتوجهون إلى مزودي الخدمات من غزة لغرض تلقّي الخدمات.

وقال: إن قدرة الموظفين على التنقّل، وبالذات رفيعي الشأن منهم كما يشهد العاملون في هذا القطاع التجاريّ، ضرورية لكي يتمكنوا من اقتراح حلول للمشاكل التي قد تنشأ لدى من يقومون بشراء خدماتهم، إلى جانب ضرورة مشاركتهم في "مَشهد" عالم صناعة التكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا بشكل عام في كل من الضفّة الغربية وإسرائيل.

وأضاف، انه من غير الكافي أن توقع الشركات في غزة على مشاريع جديدة، بل من المهم الخروج أيضًا من أجل مُتابعة التطورات في قطاع تكنولوجيا المعلومات في كل من الضفّة وإسرائيل، ولكي يتمكّنوا من اقتراح خدماتهم على شركات لجديدة.

وبين أن هذا القطاع الصناعي هو قطاع شديد الحساسية لموضوع تزويد الكهرباء غير المنتظم في غزّة. كما وأن إسرائيل تقوم بحظر دخول معدات حيوية إلى غزة، التي تعتبرها مُنتجات "ثنائية الاستخدام" وبذا، فإنها تحجب عن الشركات العاملة في هذا القطاع في غزة آفاق التطور وزيادة نطاق الأعمال والخدمات التي توفرها.

وفيما يخص النسيج والملابس، جاء في التقرير ان إسرائيل سمحت بعد العملية العسكرية "الجرف الصامد"، بتسويق بضائع معينة من قطاع غزة في أسواق الضفّة الغربية، ومن ضمنها النسيج والملابس. وفي شهر تشرين ثاني من العام 2014، انطلقت الشاحنة الأولى المحملة بالملابس من قطاع غزّة إلى الضفّة. وفي آذار من العام التالي تم السماح بتسويق محدود جدا للبضائع من غزة في إسرائيل، بما يشمل النسيج أيضًا.

وبين انه شارك أربعة من المنتجين الذين كان عملهم بشكل أساسي في مجال تسويق البضائع لإسرائيل، في المجموعة البؤرية التي عقدناها قبل عامين. وحين عدنا للتواصل معهم اليوم، اتضح لنا بأن أحد هؤلاء قد قام بتسويق بضعة شحنات في إسرائيل، أما الآخرون فلم يتح لهم الأمر مطلقًا. وقد تحدّثنا، بناءً على ذلك، مع أحد الصناعيين الذي يسوق بضاعته في الضفّة، رغم عدم مشاركته في المجموعة البؤرية التي عقدناها قبل عامين.

وأشار إلى انه الكميّات التي يتم تسويقها حوالي ثلاث شاحنات تخرج من غزّة باتجاه الضفّة الغربية في كل شهر. لم تتحقق خلال العامين الماضيين توقّعات المشاركين في بحثنا، الذين قدّروا في العام 2014 بأنهم سيكونون قادرين على تصدير نحو 30 شاحنة من الأنسجة والملابس شهريًا. هذا يعني بأن عدد الشاحنات التي تخرج اليوم من القطاع تعادل نحو 10 بالمئة مما توقّعه التجّار.

وبحسب تصريح رئيس اتحاد صناعة الأنسجة والملابس في غزّة، تيسير الأستاذ، فإن مجمل مدخول هذا القطاع التجاري قد بلغ في العام 2016 نحو 8 ملايين شيقل، وهو ما يشكل ارتفاعًا بنحو 60 بالمئة مقارنة مع العام 2015. ووفق أقواله، فإن هنالك نحو 26 شركة تقوم بتسويق منتجاتها إلى الضفّة من ضمن الشركات الـ160 المسجلة في الاتحاد، عدا عن 18 شركة تقوم بتسويق بضائعها في إسرائيل.

وقال التقرير إن التسويق في إسرائيل لا يظهر في الإحصائيات التي تشير الى خروج الشاحنات إلى إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، وذلك بسبب مشكلة إصدار فواتير المقاصة، ولذا فإن الشاحنات تخرج إلى الضفّة أولًا، حيث يتم استكمال جميع المعاملات الضريبية هنالك، ومن ثم تواصل البضائع طريقها باتجاه إسرائيل.

وبين فيما يخص عدد العاملين  في العام 2000 أنه عَمل في قطاع الأنسجة 37 ألف عامل، أما في العام 2005 فقد عمل في ذلك القطاع نحو 25 ألفا. وتشير تقديرات اتحاد صناعة النسيج والملابس في قطاع غزة أن عدد العاملين في هذا القطاع الصناعي خلال العام 2015 قد راوح الـثلاثة آلاف عاملًا، وشكل ارتفاعًا مقارنة مع العام 2014 حيث عمل في هذا القطاع ما يُقارب 2.500 عامل وعاملة. وقد ارتفع عدد هؤلاء اليوم إلى خمسة آلاف عاملا، أي ما نسبته نحو 20 في المئة من عدد العاملين في هذا القطاع في العام 2005.

وأشار التجار قبل عامين، الى أنهم ومن أجل أن يتمكنوا من التسويق والعودة إلى طاقة انتاجية تتراوح ما بين 40-50 بالمئة من الطاقة الانتاجية في فترة الذروة التي شهدها هذا القطاع، فعليهم أن يتعرفوا من جديد على السوق في الضفّة، وأن يجددوا علاقاتهم مع التجار هنالك. ليس من السهل التعرف على السوق بعد سنوات طويلة مُنعوا فيها من إقامة علاقات تجارية.

إن التاجر يقوم بإرسال ما بين 500 إلى 1.000 قطعة في الطلبية الواحدة، وفي هذه الحالة فإنه من غير المربح له أن يموّل تكلفة النقل لوحده. إن نقل الحمولات عبر الشاحنات من المخزن في غزّة وصولا إلى حاجز ترقوميا قرب الخليل يكلف أكثر من 3.000 شيكل، ولذا فإن تجار غزّة يقومون بتجميع نقلياتهم ومن ثم يتقاسمون نفقاتها، وبذا يقومون بتوفير الكلفة العالية.

وتابع: هذه الحالة قد تتغير للأسوأ بعد سحب إسرائيل آلاف التصاريح الخاصة بالتجار.

ويشير رئيس الاتحاد، تيسير الأستاذ، إلى أن الفترة الأخيرة قد شهدت محاولات الاتحاد للالتقاء مع ممثلين في إسرائيل من أجل تحسين حالة التسويق وتعزيز العلاقات التجارية، لكن لأن تجار غزّة لم يعودوا يملكون تصاريحًا، فإن هذه اللقاءات قد تم إلغاؤها، وبناء عليه فإن التسويق إلى إسرائيل سيتأثر بشكل كبير.

وفيما يخص الزراعة، جاء في التقرير: التقينا قبل عامين، في إطار المجموعة البؤرية البحثيّة، بثمانية ممثلين عن قطاع الزراعة في غزّة، وكان من ضمن هؤلاء خمسة تجار ومزارعين تابعين لجمعيات ولتعاونيات زراعية، إلى جانب اثنين من التجار المستقلين ومختص في مجال التسويق الزراعي في الاسواق الخارجية لقطاع غزة.

وقدّر هؤلاء آنذاك بأنه في حال إزالة التقييدات الإسرائيلية المفروضة على التسويق من غزة إلى الضفّة، فإنه سيكون بالإمكان في كل شهر تسويق 200 شاحنة محملة بالمنتجات الزراعية إلى الضفّة، أي ما نسبته نحو 30 في المئة من إنتاج غزّة الزراعي.

وأشار التقرير إلى انه في بداية شهر تشرين ثاني 2014، انطلقت الشاحنة الأولى، محملة بالخيار، من غزّة إلى الضفّة، وقد كانت هذه هي الإرسالية الأولى بعد مضي سبعة أعوام من الحظر الإسرائيلي الشامل. وأن أنواع المنتجات الزراعية التي بالإمكان تسويقها من غزّة إلى الضفّة محدودة، وبعضها موسمي، كالملفوف والقرنبيط، والتي تعدّ فرصة تسويقها قصيرة جدًا.

ويتم تسويق المنتجات الزراعية إلى الضفّة في أيام مُحددة فحسب: أيام الأحد، الثلاثاء، والخميس. وفي يوم خروج المنتجات الزراعية، يتم إجراء فحوصات مخبرية يقوم بها موظفون تابعون لوزارة الزراعة الإسرائيليّة على معبر كرم أبو سالم، وهذا إلى جانب الفحوصات الروتينية للبضائع الداخلة والخارجة، وتستمر عملية فحص البضائع نحو ساعة.

وعن الكميّات التي يتم تسويقها، فقد بلغ المعدل الشهري لشاحنات المنتجات الزراعية التي يتم تسويقها من غزة إلى الضفّة بدءً من شهر تشرين ثاني 2014 وحتى شهر تشرين ثاني 2016: 67 شاحنة، وهي ثلث الكمية التي توقعها التجار. وفي شهر آذار من العام 2015 سُمح بتسويق البندورة والباذنجان من غزة في إسرائيل، وذلك بسبب حلول السنة السبتيّة اليهودية (سنة شميطاه، والتي تُحظر فلاحة، حراثة أو زراعة النبات، مرّة كل سبع سنوات في الأراضي المقدسة كما تحددها الشريعة اليهوديّة، حيث يمكن، بحسب الشريعة، أكل الخضار والفواكه المزروعة في الحقول التابعة لغير اليهود خارج الدّيار المقدسة)، وقد تم الأمر عبر حصة شهرية تبلغ 250 طن من البندورة و50 طنا شهريا للباذنجان.

يشار الى أنه حين تم السماح بتسويق البضائع الزراعية في إسرائيل، فقد طولب التجار من غزة بإرسال عينات عن منتجاتهم الزراعية من أجل فحصها في إسرائيل، وقد سُمِح من ضمن تلك المنتجات وقتذاك بتسويق البندورة والباذنجان فحسب. وذلك رغم أن التجار قد دفعوا ما يزيد على 25 ألف شيكل كرسوم للفحوصات، ولم يتلقّ التجار أبدًا نتائج تلك الفحوص.

ونوه  التقرير الى أنه منذ شهر آذار 2015 وحتى شهر تشرين ثاني 2016، خرجت إلى إسرائيل، بالمعدل الشهري، نحو 24 شاحنة محمّلة بالبندورة والباذنجان: 250 طنا من البندورة و47 طنا من الباذنجان. في أشهر معينة خرجت كميات أعلى من الحصة الرسمية. في كانون الأول 2016 اشار منسق اعمال الحكومة الإسرائيلية في الاراضي المحتلة في رد وصل جمعية "چيشاه-مسلك" بأن الحصة الشهرية لتسويق منتجات زراعية من غزة الى اسرائيل ارتفعت الى 400 طن، دون تحديد الحصة حسب نوعية المنتج. وفي شهر كانون الثاني نُشرَ اجراء جديد ومحدّث “لوضع الاذونات في حالة الاغلاق” الذي يحتوي التغييرات المذكورة في الإجراءات.

ووفق التقرير فقد طرح التجّار، قبل عامين، في إطار المجموعات البؤرية، نقطة هامة، قد يساعد تطبيقها في تخفيض كلفة نقل البضائع: إزالة التقييد الإسرائيلي الذي يَفرض بأن يكون ارتفاع البضائع المحملة على المنصة الخشبية (مشتاح) 1.2 مترًا، وهو ما تسبب بتقييد التجّار طيلة سنوات، ورفع أيضًا من تكلفة النقل.

وفي شهر شباط 2016 صدر القرار بالسماح لتجار المنتجات الزراعية بتحميل البضائع حتى ارتفاع 1.50 مترًا على كل منصّة، وهو ما أدى إلى تخفيض كلفة النقل بشكل كبير. وقد تمثّل تخفيف آخر للتقييدات في إلغاء المطلب بنقل  البضائع داخل شاحنات مغلقة فقط.

وقال التقرير: إن معبر كرم أبو سالم ليس مُظللًا، وهو ما يُعرّض البضائع الزراعية للأمطار والشمس الحارقة، وقد حدث أكثر مرة أن فسدت البضائع جراء ذلك، وكل ما حصل عليه التاجر حينها هو فقط رسالة تعلمه بأن بضائعه قد فسدت ولم يتم إرسالها لوجهتها المُقررة. وقد طلب التجار من غزة في عدة مرات إقامة منطقة مغطاة داخل المعبر، بيد أن الأمر لم ينفّذ حتى اليوم.

واورد التقرير: تسويق التوت الأرضي، من المهم أن نذكر هنا بأنه وبعد شهرين من تسويق البضائع إلى الضفّة، فقد تمّ حظر تسويق التوت الأرضي طيلة العام 2015 بأسره، بسبب ادعاء تسرب هذا المحصول الزراعي إلى إسرائيل عبر الضفّة. وفقط في كانون ثاني من العام 2016 سمح بإعادة تسويق التوت الأرضي الى الضفة، بحصّة تبلغ حتى 150 طنّا في الشهر الواحد، خلال يومين في الأسبوع فحسب (بدلا من ثلاثة أيام، بحسب الإجراء الإداري الإسرائيلي الذي ينظّم تسويق البضائع الزراعية في الضفّة الغربية)، وعبر شركة تسويق فلسطينية من الضفّة، التي التزمت بفرض رقابة لمنع تسرّب المنتج إلى إسرائيل. وعلى أعتاب العام 2017، تم إلغاء هذا التقييد المتعلق بكل من الكمّية ومن وجود شركة وسيطة.